عرش البيان يحتفي بفكاهة الرمضان
رباب حسين النمر: الدمام
احتفى نادي عرش البيان الأدبي بسيهات بالفكاهة في أمسية استضاف فيها الشاعر أحمد الرمضان تحت عنوان: (الفكاهة في تجربة شاعر)، بإدارة وحوار الأديب إبراهيم الرواغة.
وقدم الشاعر الرمضان في الأمسية، ورقة تعريفية وقراءة انطباعية لأبعاد الأدب الفكاهي الضاحك في التراث العربي، وختمها بقصائد ومقطوعات ضاحكة من شعره، مرتكزًا على مدخل وثلاثة مباحث في ورقته.
.وتناول الرمضان في المدخل تعريف الأدب الضاحك والأجناس الأدبية التي تقولبت فيه، وتطوره، حيث قال الرمضان: “هو الأدب الذي يهدف إلى الترويح عن النفس والتسلية. وتظهرنا دراسة الفكاهة على تطور الأجناس الأدبية التي استخدمتها. إذ نشأت المسرحية عن الشعر الغنائي، فالهجاء والتراشق بالشعر الفردي وهو نيل الشاعر بمن يقصد بعينه، ثم ارتقى فأصبح جمعيا. حيث إن الشاعر كتب ليعالج مواطن النقص والضحك وحينئذٍ نشأت الكوميديا فكانت أعلى مقاما من الهجاء” وأضاف: ”
وفي السياق الأدبي تشير روح الفكاهة إلى الاستجابة الملائمة للمؤثرات الهزلية من جهة، والقدرة على ابتداع أفانين الضحك من جهة أخرى. والكاتب الذي تدفعه طبيعته إلى تأمل الجانب المشرق في الحياة سيلون حياة الناس وحياته الخاصة بألوان عاطفته”.
وأشار الرمضان إلى ماهية الفكاهة وتاريخها في القصّ العربي القديم، ومن ذلك قوله: “الفكاهة التهكّمية تحمل في طيّاتها عكس ما يبدو منها ظاهريًا. فقد تبدأ هذه السخرية مديحًا أو حديثًا عاديًا، ولكنها تخفي وراء ذلك نقدًا لاذعًا. ويتم التعبير عن التورية التهكّمية عادة بوساطة نبرة صوتية معيّنة، كما أنها غالبًا ما تكون تعبيرًا عن واقع الأمر بصورة تخفف من وطأة تأثيره. ولم يكن الشعر الفكاهي بهذا المسمى قبل العصر العباسي، إلا إنه كان مستخدمًا في المديح والهجاء ونحوه”
ثم بسط الحديث عن القصائد التي دارت بين جرير والفرزدق، وقصائد الحطيئة وغلبة الأسلوب الفكاهي على موضوعاتهم، متطرقًا لظهور الشعر الفكاهي في العصر العباسي للترفيه والإضحاك والتسلية أو لترويض الفكر في المجالس والمحافل.
وفي المبحث الأول تناول دراسة (اللغة) من حيث الدلالة والتركيب والمبني، في حين تضمن المبحث الثاني دراسة (الصورة) من حيث التشبيه والاستعارة والكناية، وخص المبحث الثالث دراسة (الإيقاع) من حيث التكرار والتجمع الصوتي والتوازي، من خلال دراسة تحليلية لنماذج من الشعر الفكاهي في العصر العباسي تشمل مجموعة من الشعراء البارزين في هذا المجال من مثل أبي نؤاس ومروان بن أبي حفصة وابن الرومي ودعبل الخزاعي وأبو العبر والمعذل وجحظه البرمكي والخبزارزي.
ويخلص الرمضان في ورقته إلى أنواع الشعر الفكاهي، وهي: الساخر الذي يحمل بين طياته ألمًا وانتقادًا يستطيع ضمها ودسها في أبياتٍ توصل رسالته ومبتغاه، وما أطلق عليه الشعر الحلمتيشي يتمازج مع الألفاظ الدارجة كما يستخدمه أهل مصر. والأسلوب الفكاهي الذي يحمل رسالة الضحك المحض والمزاح الذي تتملكه الروح الخفيفة.
ويقرر الرمضان أن “أكثر الشعر العربي فكاهة وسخرية، إنما يقوم على خرق المحظورات”
وبيّن ضروب الشعر الفكاهي التراثي التي تبدأ بالسخرية من الذات أو التهكّم على حالها، وتنتهي بنقد المجتمع وفضح المسكوت عنه من وراء قناع كوميدي مروراً بفنون الهزل والعبث ومنطق اللامنطق، إلى جانب فنون أخرى كالدعابات والمعارضات الشعرية الساخرة”.
واستشهد الرمضان بدعابات «أبي دلامة» في الشعر الفكاهي، وأبي الحسين الجزار، وسراج الوراق، وابن دانيال الكحال، وابن المعمار، وابن سودون المصري في العهد المملوكي.
ومثال ذلك معارضة الجزار لمعلقة امرئ القيس الشهيرة في قصيدة طويلة على غرار المعلقة يصوّر فيها حاله ومطلعها:
قفا نبكِ من ذكرى قميص وسروال
ودراعة لي قد عفا رسمها البالي.
ثم طرز الحديث بتعليقه:
“إن الشعر الفكاهي مرآة النفوس وحكمة الشعوب وروح الأمم الحيّة”
وأضاف: ” ذكر الرُّواة أنَّه مات لبشار بن برد حمار، فلمّا زاره أصدقاؤه للعزاء، أظهر لهم أنَّه مغموم محزون، فألحّوا عليه في السؤال يريدون أن يعرفوا سبب حزنه وغمّه، فقال لهم: إنَّني رأيت حلمًا مزعجًا، رأيت حماري في النَّوم، فقلت له: ويلك! مالك مِتّ؟.
قال: إنَّك ركبتني يوم كذا، فمررنا على باب الأصبهاني، فرأيت أتانًا (أُنثى الحمار) عند بابه، فعشقتها فمِتُّ.
وزعم بشّار أنَّ حماره أنشده المقطوعة التّالية:
سَيِّدي مِلْ بِعَناني = نَحوَ باب الأَصْبهاني
إنَّ بالبابِ أتانًا = فَضَلَتْ كُلَّ أتانِ
تيَّمتني يَومَ رُحْنا = بثناياها الحِسانِ
تيَّمتني بِبَنانٍ = وَبِدَلٍّ قد شجاني
وبِحُسنٍ ودلالٍ = سَلَّ جِسمي وبراني
ولها خَدٌّ أسيلٌ = مِثلُ خَدِّ الشَّيفرانِ
فبها مِتُّ ولوعِشْـ = ـتُ إذن طال هواني
فقال له أحد جلسائه: ما الشَّيفران؟!. قال: ما يُدريني؟!
هذا من غريب الحمر، فإذا لقيتم حمارًا فسلوه”.
وختم الرمضان حديثه عن السبب الذي دفعه لكتابة الشعر الفكاهي الساخر بقوله:”رحم الله والدي الغالي، كان يبحث في التلفاز عن شاعر محبوب لديه . وكلما سمعه زرعت الإبتسامة في محياه والضحكة بين فوديه . وكان هذا الشاعر المبدع المرحوم عبدالرحمن الرفيع من دولة البحرين . لم يكن أبي فحسب؛ وإنما البيت كله. وحين درست فنون الشعر وصنوف الأدب ومعالم الوزن والقافية ظننتُ بحسب اطلاعي البسيط حينها أنه لايوجد الفن الفكاهي في الشعر وأن له قداسة الرومانسية المطبوعة بالألم أو الندبة والعزاء، حتى تفرَّعت فرأيت أبيات للفرزدق في الشعر القديم .وقصيدة اللشاعر الكبير الأستاذ ناجي الحرز في من عاصرناه، فغيّر ذلك مجرى البحث عندي إلى هذا الفن والولوج إلى أبوابه المتنوعة”.
وعلق مجموعة من الحضور تعليقات تتضمن انطباعاتهم العامة عن الشعر الفكاهي في تجربة الشاعر، كما ألقى الشاعر محمد انتيف قصيدة يحيي فيها الشاعر أحمد الرمضان، جاء فيها:
ملئُ المفازاتِ وملئُ الفضا
أحسنتَ صنعًا يا أبا مرتضى
بين الأسى والحزنِ اتحفتنا
بفرحةٍ تطفي لهيبَ الغضا
فانتشتُ الروحُ بقافيةٍ
باسمةٍ تحملُ معنى الرضا
أتت لعمقِ القلبِ من مبدعٍ
يُرخي عصّي الحرفِ أنّ يَرفضا
يدللُ الأوزانَ في رقةٍ
تحملُ أفقًا واعدًا أبيضَا
وفي ختام الأمسية تقدم كل من منسق الفعاليات علي بن أحمد المشامع، ونائب رئيس النادي عبد الفتاح الدبيس لتقديم الدرع التكريمي للشاعر أحمد الرمضان، ثم كان دور اللقطات التذكارية.