أقلام

أردنا تَضييعَهُ فضَيّعنا

عقيل المسكين

– أتذكر من أيام المرحلة الابتدائية (1394هـ-1399هـ) مرافقة عمّي محمد في إحدى مغامراته الجميلة، وهي ذِكرى لم أنسها إلى يومنا هذا، وكم من ذكريات جميلة قضيتها في البيت العود مع أبي وأمي وإخوتي وأخواتي وجدتي لأبي وأعمامي وعمّاتي، فقد كان بيتًا فيه ما فيه من الحياة الجميلة رغم صعوباتها في كثير من الأحيان، ومن الذكريات قيام العم محمد باصطياد أحد القطط التي أزعجتنا كثيرًا في البيت، ولعلّه ذلك القط الذي سمعت أنه أكل صغاره في (الزرنوق) الذي بين منزلنا ومنزل بيت السبع، والذي يقع في الجهة الجنوبية من البيت العود وبيننا وبينه زرنوق صغير بامتداد البيت من جداره الغربي إلى جدارهِ الشرقي، وقام العم محمد بوضع هذا القط في كيس من الخيش الذي يُستعمل للرز، وقام بربط الكيس ثم وضعه على المقعد الخلفي لدراجته الهوائية وربطه جيدًا بحبلٍ كان عنده، ولحقته بدراجتي حيث كان ينوي رمي هذا الكيس بالقط الذي فيه عند مكبّ النفايات في الطرف الشمالي من ساحل البحر، ويقع هذا المكبّ أبعد قليلًا من ملاعب الحَواري التي كانت مليئة بشكل يومي بفرق كرة القدم الحُرّة والذين يأتون من عدة أحياء بمدينتنا الصغيرة سيهات، وعندما وصلنا عند مكبّات النفايات التي تستعملها البلدية – وقتئذٍ – قام بفك كيس الخيش من مقعد دراجته الخلفي وفيه القط يتحرك بشيء من العفرتة ويموء بصياحه، ثم رمى الكيس بجانب كومة كبيرة من نفايات البلدية، وركب كلّ منا دراجته ورجعنا بسرعة من ذلك المكان البعيد ثم دخلنا من جهة حي الطابوق القديم إلى أن وصلنا شارع السوق ومن ثم انعطفنا في إحدى الطرقات الفرعية لحيّ الديرة حتى وصلنا إلى البيت العود من البوابة الكبيرة في الجهة الشرقية من البيت، وأدخل كلٌّ منا درّاجته، وبعد قليل من الوقت، جاء إليّ عمي محمد وقال:

– لو أخبرتك لن تصدقني.

– ماذا حدث يا عمّي.

– لقد عاد القط نفسه من مكبّ النفايات البعيد في الساحل، رغم أنني وضعته في كيس من الخيش كما لاحظت لذلك.

– ماذا يعني ذلك؟!.. كيف عاد؟.. هل يشمّ الرائحة؟.. أم أنه يعرف الطرقات ويعرف كل الأماكن في سيهات؟.. والله لقد ضعت في تفكيري بهذه الحالة العجيبة وهذا التصرف الأعجب من هذا القط، فهل هو قط بالفعل أم هو من الجنّ؟!

– الله أعلم، ولكنه عاد، وهذا شيء عجيب كما قلت.

هنا أعود لحاضري موجهًا كلامي لصديقي العزيز “الروائياتي”:

– ظاهرة أن يأكل القط أو القطة أبناءه أو أبناءها من القطط الصغيرة، ظاهرة نتذكرها منذ تلك السنين الخوالي في بيننا الشعبي “البيت العود”، ماذا لديك عن هذه الظاهرة وما هي أسبابها بالضبط لدى هؤلاء القطط الذكور أو الإناث؟.. وهل هي حالة طبيعية في عالم القطط؟.. وهل هي موجودة في عالم البشر أيضًا؟.

الروائياتي:

– ظاهرة أكل القطط لأبنائها تُعد من الظواهر التي تحدث في عالم الحيوان، ولكنها ليست شائعة جدًا ولا تحدث إلا في ظروف معينة، أما عن الأسباب التي قد تُؤدي إلى هذه الظاهرة تشمل الإجهاد والضغط النفسي؛ فقد تتعرض القطة الأم للإجهاد الشديد، مما يدفعها إلى التصرف بطرق غير معتادة، بما في ذلك أكل صغارها، وكذلك من الأسباب ضعف الصغار أو مرضهم؛ إذا كانت القطط الصغيرة ضعيفة أو مريضة، قد تقتلها الأم لتخفيف العبء عن نفسها ولضمان بقاء الأقوى، ومن الأسباب حماية الصغار أنفسهم؛ ففي بعض الحالات إذا شعرت القطة الأم بتهديد كبير لصغارها من البيئة المحيطة قد تقتلهم لتجنب أن يقعوا فريسة للحيوانات المفترسة، حيث تصاب ببعض الإرباك والخوف فلا تجد إلا أن تتخلص هي من صغارها خوفًا من أن يلتهمهم أي عدو قادم كالأفاعي أو الحيوانات المفترسة الأخرى، ومن الأسباب أيضًا سوء التغذية؛ فقد تؤدّي التغذية السيئة أو نقص الموارد إلى تصرفات غير طبيعية، بما في ذلك أكل الصغار، ومن الأسباب أيضًا التشوهات الخَلْقِية؛ فإذا وُلد الصغار بتشوهات خَلْقِية، قد تقتلهم الأم لأنها ترى أنهم لن يكونوا قادرين على البقاء، أما بالنسبة للقطط الذكور، نادرًا ما يقوم الذكر بأكل الصغار، ومع ذلك في بعض الحالات قد يقتل الذكر الصغار إذا لم يكن هو الأب، وهذا يحدث لضمان أن الأم تعود إلى فترة التزاوج بشكل أسرع، وبالتالي يمكنه تمرير جيناته، وبصفة عامة، هذه الظاهرة ليست طبيعية وليست شائعة في عالم القطط، وغالبًا ما تكون نتيجة ظروف قاسية أو غير طبيعية تؤثر على سلوك القطة.

أما سؤالك عن عالم البشر فهذا نادر جدًا أن يقوم الوالدان أو أحدهما بقتل أبنائه إلا في حالات الجنون أو الوقوع تحت تأثير المخدرات التي تُخرج الإنسان عن عقله وفطرته ووعيه، أو حالات الإجرام الشديدة الشرّ والخروج عن الآدمية وهي نادرة أيضًا، لأن الطبيعة البشرية للأبوين هي ما فطرهم الله عليه من الحب والحنان والحميمية في الحفاظ على الأولاد والفرح بهم.

03/12/1445هـ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى