سلوكيات المراهقين كما تبينها باحث في علم الأعصاب
المترجم : عدنان أحمد الحاجي
يبيت إحدى الباحثات في كلية الطب بجامعة تافتس كيف يمكن لتطور ونمو الدماغ في مرحلة المراهقة – وكذلك الأحداث الجارية – أن يؤثر في عملية اتخاذ القرار
يُعرف المراهقون بسلوكهم غير المتوقع والاندفاعي في بعض الأحيان. قد يكونون في إحدى اللحظات راشدين ورصيني الرأي والتفكير في تصرفاتهم، وفي لحظة أخرى يصبحون غير عقلانيين أو ينخرطون في سلوكيات محفوفة بالمخاطر. من الناحيةَ العصبية، لا يتمكنون من التحكم في تصرفاتهم، على الرغم من أن هذا ربما يزعج أولياء أمورهم ويوتر أعصابهم. بيد إنه قد يكون من المفيد أن نعرف أن الباحثين يفترضون أن السبب في ذلك يرجع إلى ثلاث عمليات مترابطة فيما بينها لنمو وتطور دماغ المراهق.
“هناك الكثير من الأحداث الجارية في مرحلة المراهقة، ليس فقط فيما يتعلق بالتغيرات الهرمونية، ولكن أيضًا في تطور بنية وكيمياء ومشابك الدماغ العصبية، المشابك العصبية تمثل نقاط تواصل الخلايا العصبية مع بعضها،” كما قالت عائشة سينغوبتا Ayesha Sengupta، أستاذ مساعد وباحث في علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة تافتس. بالرغم من أنه لا يزال هناك الكثير من البحوث التي لابد من استكمالها، إلا أن نتائج الدرسات حتى الآن تفيد بأن الكيفية التي يؤثر بها نمو وتطور دماغ المراهقين في أساليب تفكيرهم وتصرفاتهم تختلف عن الراشدين.
أحد هذه الاختلافات يتعلق بتجارب الحياة المكتسبة التي لها تأثير كبير في مرحلة المراهقة، فقد تكون لأجيال مختلفة تجارب مختلفة. “قد تكون أحداث معينة فريدة بذلك الجيل حينها. قد يكون لدى اجيل Z [الممتد من منتصف تسعينات القرن الماضي إلى أوائل 2010 والذي ساد فيه استخدام الانترنت] (1) مخاوف بحوادث إطلاق النار في المدارس وقد يكونون أكثر دراية بتغير المناخ مقارنة بالأجيال السابقة، على سبيل المثال، لأنهم عانوا من آثارها أكثر مما عانى منها مراهقو الأجيال التي سبقتهم.
ترتيب مناطق الدماغ من الناحية التطورية
المنطقة الأكثر تعقيدًا في الدماغ، وخاصة عند البشر، وهي المنطقة القشرية ما قبل الجبهية. هذه المنطقة مسؤولة عن إدارة عمليات التفكير العليا والوظائف التنفيذية (2). فهي منطقة الدماغ التي تساعدنا على التخطيط ووزن المعلومات الواردة من حيث الإيجابيات والسلبيات قبل اتخاذ قرارات مستنيرة. فهذه المنطقة الدماغية تتحكم في كيف نتصرف ونتفاعل مع الآخرين. وهي آخر منطقة تصل إلى ذروة تطورها (نضجها أو بلوغها) من مناطق الدماغ، معظم ذلك البلوغ يحدث في مرحلة المراهقة وأوائل العشرينات من العمر.
يُعتقد أن منطقة من مناطق الدماغ تسمى اللوزة الدماغية، إلى جانب مناطق أخرى في الفص الصدغي، هي أكثر المناطق مسؤولية خلال فترة المراهقة لأنها تتطور في وقت أبكر. هذه المنطقة من الدماغ تستشعر الانفعالات (3) والاستجابات المباشرة والسريعة للمثيرات الخارجية.
“من أجل البقاء، من المهم أن يكون لدى المرء ردود فعل (استجابات) سريعة وتلقائية، والتي يمكن أن تستشعرها اللوزة الدماغية. على سبيل المثال، إذا رأيت قطعة حبل على الأرض، فإن اللوزة الدماغية قد تجعلك تفترض، “أنها ثعبان!”، كما تقول سينغوبتا. “بشكل عام، من المهم أيضًا أن يكون لديك فعل منعكس [استجابة تلقائية لاإرادية لمثير ما في المحيط (4)] التي تحدث في قشرة الفص ما قبل الجبهي، والتي من شأنها أن تساعدك على رؤية الحبل حبلًا ليس إلَّا وتطمنك أنه ليس ثعبانًا.”
خلال فترة المراهقة، من المحتمل أن يتفاعل المراهقون بشكل اندفاعي لأن المناطق تحت القشرية مثل اللوزة الدماغية قد وصلت إلى مرحلة النضوج (البلوغ) بينما لا تزال قشرة الفص ما قبل الجبهي في طور التطور والنمو. كما أن الروابط العصبية بين القشرة الأمامية واللوزة الدماغية والمناطق المرتبطة بهما في الدماغ لم تتشكل بعد بشكل كامل.
كيمياء الدماغ
ترى سينغوبتا وباحثون آخرون أن فترة المراهقة هي الفترة التي يكون فيه النمو البنيوي والكيميائي للدماغ غير مكتمل، مما يؤدي إلى قدرة على التثبيط أقل وانفعالات أكثر حدة. هناك ناقلان عصبيان – غابا GABA [ناقل عصبي مثبط في الجهاز العصبي المركزي (5)] والغلوتامات [ناقل عصبي له وظيفة أستثارة في الدماغ] (6) – هما الناقلان الكيميائيان الأساسيان للإشارات بين الخلايا العصبية في الدماغ. مواد تشوير عصبية كيميائية أخرى، بما فيها السيروتونين والدوبامين والنورإبينفرين والأسيتيل كولين والهرمونات، أيضًا تحدث تغييرات في نشاط الدماغ ويمكنها تعديل تأثيرات الغابا والغلوتامات أيضًا.
تقول سينعوبتا: “إحدى الفرضيات هي أن هناك كمية أقل من الغابا، وهو ناقل مثبط، في دماغ المراهق”. “نعتقد أيضًا أن هناك مستويات أو وظائف مختلفة للناقلات العصبية المعدلة في دماغ المراهق مقارنة بدماغ الراشد.”
تتناول أبحاث سينغوبتا التواصل في اللوزة الدماغية وقشرة الفص ما قبل الجبهي، وتدرس دور الغلوتامات وكيف يمكن تعديلها بالدوبامين والسيروتونين. “شيء واحد نلاحظه في جميع الأنواع الحية في مرحلة المراهقة هو أنه عندما يتعرض المراهق لتجربة مخيفة بسيطة أو حادث مخيف بسيط وتقترن ذاكرة بهذا الحدث (7، 8) – على سبيل المثال، في القوارض اختبرنا تأثيرات تذكر اقتران نغمة صوتية (نغمة جرس مثلًا) بمثير سلبي (صعقة كهربائية، مثلًا) كما اختبرنا نسيان (ازالة) هذا الاقتران – انطفاء (9) ذلك الخوف [بإزالة المثير الباعث عليه] أصعب في هذه المرحلة مما لو تعرض له واقترنت به ذاكرة في مرحلة الطفولة أو في مرحلة الرشد (20 سنة وأكبر).
يركز عمل سينغوبتا على التعلم الاستثابي [السلبي أو المعزز (10)]، ولماذا يصعب إخماد (إطفاء) مثل هذه التعلم الانفعالي في مرحلة المراهقة. تدرس سينغوبتا ما يحدث في حالة وجود محفزات إيجابية (معززة) وسلبية (مثبطة) معًا في نفس البيئة لتتنافس على مخرجات اتخاذ القرار في مرحلة المراهقة.
تشذيب المتشابك العصبية
التواصل بين الخلايا العصبية في الدماغ على مستوى المشابك العصبية الفردية هو أيضًا لا يزال في مرحلة التطور في سنوات المراهقة. في دراسات تبديد الخوف المذكورة أعلاه، أظهرت القوارض البالغة قدرة أكبر على التغيير مقارنة بالقوارض المراهقة، تتلازم بشيء ما في لدونة المشابك العصبية، أو قدرة الخلايا العصبية على تعديل روابطها، بشكل مختلف في أدمغة القوارض البالغة عنها في أدمغة المراهقة.
توضح سينغوبتا: “خلال فترة المراهقة، نلاحظ أيضًا ما يسمى بتشذيب المشابك العصبية (11)، حيث يزيل الدماغ المشابك العصبية التي لا يحتاج إليها”. “قد يكون هذا له علاقة بشكل خاص لأن فترة المراهقة هي فترة تتميز بتجارب جديدة، والبحث عن الجِدة [تفضيل ما هو جديد أو غير متوقع]، ومعرفة تأثير الأشياء في المحيط، والتعامل مع بشكل أكثر استقلالية.”
الضغوط الإنفعالية (التوترات النفسية (12)) التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين هي أيضًا أكبر بكثير من تلك التي عاشتها الأجيال السابقة، ولذلك فهم يتعرضون لها بشكل أكثر كثافة. وتضيف سينغوبتا أن البحث عن الإثارة [للسعي وراء التجارب الجديدة في محاولةتحقيق المتعة والسعادة وتعزيز الشعور بالذات] والبحث عن الجِدة قد يحدثان بشكل أكثر لدى المراهقين الذين يحاولون الوصول إلى حدود إمكانياتهم دون تأثير قشرة الفص ما قبل الجبهي التنظيمي أو تاثير كيمياء الدماغ والتي لم تصل إلى حد النضج حينئذ.
وخلصت الباحثة إلى أنه بالرغم من أننا نأمل أن يصل معظم المراهقين إلى مرحلة الرشد دون الانخراط او التورط في مشكلات كبيرة، فإن العائلات والمدارس، والمحاكم تدرك بشكل متزايد أن “المراهقة هي فترة من نمو الدماغ القابلة للتأثر سريعًا من الناحية المادية والانفعاليًة. ”
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/الجيل_زد
2- https://www.webteb.com/articles/القشرة-المخية-تعرف-عليها_25205
3- ” الانفعل emotion هو شدة التأثر. وفي علم النفس يعني: حالة نفسية ذات شحنة وجدانية قوية، مصحوبة بتغييرات فسيولوجية خاضعة للجهاز العصبي الودي، وبحركات تعبيرية كثيراً ما تكون عنيفة، وينشأ الانفعال عادة عن إعاقة فجائية لرغبات قوية كما في الغضب والخوف، أو عن إرضاء غير متوقع لهذه الرغبات، كما في الفرح. ويعرف التحليل النفسي الانفعال: بأنه التعبير الديناميكي عن الغرائز. ويرى الطب السيكوسوماتي (النفسي الجسمي)، أن التوتر الناشئ عن النفعالات الممنوعة قد يؤدي إلى اضطرابات وظيفية، أو عضوية مزمنة.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/علم-النفس/انفعال
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/منعكس
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/حمض_الغاما-أمينوبيوتيريك
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/جلوتامات_(ناقل_عصبي)
7- “التعلم learning هو عملية تغير شبه دائم في سلوك الفرد لا يلاحظ بشكل مباشر لكن يستدل عليه من السلوك ويتكون نتيجة الممارسة، كما يظهر في تغير الأداء لدى الكائن الحي.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان٬
https://ar.wikipedia.org/wiki/تعلم
8- https://www.apa.org/topics/learning-memory
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/انطفاء_(علم_النفس)
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/إشراط_استثابي
11- https://ar.wikipedia.org/wiki/تقليم_مشبكي
12- https://ar.wikipedia.org/wiki/توتر_(علم_نفس)
المصدر الرئيس
https://medicine.tufts.edu/news-events/news/teen-behavior-explained-neuroscientist