دردشةٌ على هامشِ معرضِ كتابٍ لم أحضره
عقيل المسكين
– ما زلتُ أحلّقُ بأجنحة الأمل في سماواتِ الواقع، أبحثُ عن مستقرٍّ هادئٍ، وأفقٍ جديدٍ أحطُّ به رحالي، وأعيش في رحابهِ ردحًا من الزمن، لأهنأَ بالتأمُّلِ وأبدعُ بالكتابةِ وأسعدُ بالنتاجِ الطَّيّب من الكلمِ البديع والخواطر المدهشة، حول الوجود والعالم، أستشرفُ المستقبل وأسافر بقلمي إلى الأجيال القادمة، وأعود ظافرًا منتصرًا لأكون شهيدًا على العصر، وأحد الذين عاشوا للإضافة النوعية والعطاء السابغ بكل ما يستحق أن يكون العطاء، وعندما أعود ها هنا إلى هذه اللحظات لا يسعني إلا أن أقول: لا يمكنني أن أعيشَ في هذه الحياة دون شيئين مهمين وهما: الهواء، والقراءة، أما بقية الأشياء الضرورية فهي كما يقولون “تحصيل حاصل”، إلا أن الهواء والقراءة هما الشيئان الوحيدان اللذان يتنفس بهما الجسد الفسيولوجي بالنسبة للأول، والجسد الفكري بالنسبة للثاني، وأنت أيها الرّوائياتي من نتاج الشيء الثاني، وقد جعلتك – بقدرة الله – رفيقًا لي في هذا الطريق الذي أسير عليه لأجل تحقيق غاياتي النبيلة ومطامحي الجميلة، وستظل مرافقًا معي حتى آخر نفسٍ من الهواء وآخر صفحة من الكتب؟.
– تعجبني أيها المسك فأنت تؤمن بما قاله نيكولا تسلا: “سَعة الحياة أن تعيشها على طريقتك أنت، لا على طريقة الآخرين”، فأنت تعيش أيامك كما تشاء ولما تشاء، ولكنني سأسألك هنا ما غاياتك النبيلة ومطامحك الجميلة؟
– غاياتي النبيلة، ومطامحي الجميلة، -أيها الرّوائياتي العجيب- هي الوصول إلى الحقيقة (على مستوى الوجود الواقعي) فأؤمنُ بها، والوصول إلى الإيمان (على مستوى الواقع الوجودي) فأحققه، وهذه رحلة طويلة وشاقّة، إلا أن الذي يعقد العزم بصدقٍ سيصل إلى مرامه، ولن يتوقف حتى لو اعترضته العوائق والعقبات فإنه سيتغلب عليها حتمًا بمشيئة الله.
– أنت أيها المسك عرفت طريقك وينطبق عليك قول الفيلسوف الصيني لاوتسي: “من لا يعرف الهدف لن يجد الطريق”، وأنت تمارس انتظارك في هذا السعي الحثيث للوصول إلى غاياتك وطموحاتك، كأنك تستحضر ما قالته أحلام مستغانمي في كتابها “الأسود يليق بك”: “عذاب الانتظار؟.. وماذا عن عذاب ألا تنتظر شيئًا؟!”.
وأضيف هنا بأنّ كل الذين مارسوا القراءة والتحصيل المعرفي والعلمي عبر التاريخ كانوا يقولون ذلك، ولكنهم لم يصلوا إلا بمقدار استيعابهم ومدركاتهم المحدودة، وهذا ما يمكننا استفادته من القرآن الكريم، ومن أمثلة ذلك ما جاء في سورة الرعد، حيث قال تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) }-صدق الله العلي العظيم-، وها هو الشيخ الرئيس في آخر حياته يقول: تعلمت من العلم أني لا أعلم شيئاً، فماذا تقول في ذلك؟
– أقول: ذلك الشيخ الرئيس، أما أنا فعقيلُ المِسك، ولا أُنقِصُ قَدرَ ابن سينا، كما لا أقلّل من قدري، ورحم الله من عرف قدر نفسه، وإن كان ابن سينا في حلبةٍ ما، وأنا في حلبة أخرى، تمامًا كما يقول الشاعر المصري عبد العزيز صبري في قصيدةٍ له:
علَى المرء أن يسعى إلى الخيرِ جهدهُ
وليـسَ عليــهِ أنْ تـتـمّ المقـاصـدُ
وبالتالي فإن كثرة القراءة والاطلاع بشكل يومي، تزيد في العلم، الذي يؤدي إلى المعرفة، كما إن القراءة تُنمّي العقل، وتنوّر الفكر، وتريحُ الذّهن، وتُسكّن النفس، وتؤنس الرّوح، وكل ذلك يؤدي أيضًا إلى الحكمة، إضافة إلى كون العلم شيء والمعرفة شيء آخر كما قال إيمانويل كانت: “العلم ينظم المعرفة، أما الحكمة فتنظم الحياة”، حتى لو اختلفت مع التيّارات الأخرى إلا أنك تفهم أفكارهم وتعرف توجّهاتهم، وحتى لو اختلف معك الآخرون وفهموا أفكارك وعرفوا توجهاتك، فإنك ستجمع ثورة عظيمة حتى من هذا الاختلاف، كما يقول الشيخ محمد عبده: “خلافنا في فهم العلم هو ثراء للعلم”.
– وما لي أراك عاكفًا بين مكتبتك بالكوثر، وبين مقر ناديك نادي عرش البيان الأدبي لهواية الأدب بحي الديرة، ولم تذهب إلى معرض الكتاب الذي عُقِد مؤخرًا بالعاصمة الرياض، ألست تبحث عن الجديد في عالم الكتب، ألست تبحث عن المصادر والمراجع لمقالاتك وأبحاثك وكتبك وتصنيفاتك وتحقيقاتك؟.. ألا تريد أن تُنهي ما بدأت بتنفيذه من مشاريع شتّى في عالم الشعر والنقد الأدبي، والرواية والقصة والمسرحية والمقالة وعلوم اللغة والبلاغة؟.
– ما لديَّ من الكتب والكُتيبات والمجلات والدوريات والمجلدات والموسوعات فيه الكفاية، على ما أظن، وإن احتجتُ إلى أيّة معلومة لا أجد لها مصدرًا أو مرجعًا لديَّ في مكتبتي الخاصة سأجده إن شاء الله عبر مؤشرات البحث عبر الانترنيت والمواقع المتخصصة، وربما الصحف والمجلات والدوريات المحفوظة في الشبكة العنكبوتية عبر العالم، كما يمكنني الدخول على مواقع خدمة الباحثين والكُتّاب عبر المواقع الرسمية للمكتبات العامة كمكتبة الملك عبد العزيز بالرياض، وغيرها.
ثم إن كل ما لم أطّلع عليه وأقرأ فيه من الكتب في شتى أنواع العلوم والمعارف والثقافة والإبداع الأدبي والفكري والفلسفي والإنساني بشكل عام فهو جديد بالنسبة لي، وعليّ أن أضعه في أجندة القراءة وأحدد أي نوع من القراءة ستكون، هل قراءة متأنية ومركّزة، أم قراءة عابرة بحيث أمر عليها مرور الكرام، أم قراءة مسحية سريعة، أم قراءة انتقائية حسب الموضوع المطلوب أو المضمون الذي أرمي إليه وأبحث عنه، وبما أن في مكتبتي الخاصة مئات الكتب التي لم أفتح غلافيها حتى الآن، فهي إذن جديدة بالنسبة لي، وبما أنني لا أزال أحمل شغف قراءة الكتب الجديدة، فماذا أنتظر إذن؟!
وحسب بعض التفسيرات التي تحدثت عن الآية التي تقول {أفلا ينظر الإنسان إلى طعامه…} الآية.. وما استفاده بعض المفسرين بأن الإنسان عليه أن ينظر إلى مصادر فكره ومعرفته من أين يستقيها ويستفيدها، كذلك عليّ أنا أن أحسن اختيار ما أقرأ وما أطّلع فيه من عالم الكتب والنشر، حتى أصل لمبتغاي من العلوم والمعارف والثقافات والعقل السليم والتفكير السديد.
– أشك أنك لم تذهب إلى معرض الكتاب بالرياض لأسباب أخرى، لأنك فوّتَّ على نفسك الاطلاع على الجديد في عالم النشر والمكتبات والإصدارات الجديدة، وقد يكون أكثرها لن تجده في المواقع الإلكترونية أو بصيغة الـ [ PDF ] لكونه لا يزال تحت بند التسويق عبر منافذ البيع؛ سواء عن طريق دور النشر مباشرة، أو عن طريق المكتبات التي تتفق معها، أو عن طريق الشراء عن بعد والدفع عبر قنوات السداد المعروفة، ولا أظن أن ذلك يفوت عليك؟.
– لقد أحرجتني – أيها الروائياتي – كلامك صحيح، لأنني بكلّ صراحة قد بعت سيارتي الخاصة، لأنها أهلكتني بكثرة الصيانة وقِطع الغيار ورسوم تجديد الاستمارة ورسوم الفحص الدوري ورسوم التأمين، كما أخلت جيوبي من النقود بسبب ارتفاع قيمة البنزين، لكونها سيارة أمريكية وكلما ملأت خزّانها بالوقود تقول لي هل من مزيد؟.. وأنتظر تحسّن الحال لشراء سيارة صغيرة تناسبني وتكون اقتصادية في استهلاك الوقود؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى الخطة الثلاثية التي أكون مُقيّدًا بين قوسَيها تفرضُ عليَّ عدم إضافة أي بنود جديدة للصرف لا (قسط شهري) ولا (رسوم استمارة ملكية) ولا (فحص دوري) ولا (تأمين مركبة)؛ حتى أنتهي من سداد قوائم الصرف السابقة والتي لا أنتهي منها إلا بانتهاء الخطة الثلاثية، أي حتى أصل لنهاية القوس الثاني، وأنا لم أصل إلى منتصف المسافة بين القوسين بعد، وإن شاء الله عندما أصل لنهاية القوس المغلق سأضيف إلى القائمة بنود الصرف الخاصة بالسيارة الجديدة وكذلك بنود الصرف الخاصة لزيارة معارض الكتب، واستئجار شقة صغيرة قريبة من المعرض واعتماد ميزانية للوجبات ومصاريف الكوفي شوب ومصاريف التنقلات بالسيارة التي أعزم – إن شاء الله – وإن شاءت الظروف أن أقتنيها – بأقساط ثلاث سنوات منتهية بالتملك- بعد الانتهاء من القوس الذي يُغلق الخطّة الثلاثية التي لا أزال في منتصف طريقي إلى الانتهاء منها.
– ما هذه الخطة الثلاثية التي أتعبتني بها، وأتعبت نفسك، وأتعبت جميع أفراد عائلتك بها، وإلى متى تعيش بهذه الخطط الثلاثية منذ التحاقك بالعمل عام 1411هـ حتى يومنا هذا؟.. ثم إنك تذكرني بمقولة الكاتب الروائي جون شتاينبك: “الإنسان هو الكائن الطفيلي الوحيد الذي ينصب مصيدته الخاصة ويقوم بوضع الطعم فيها ثم يخطو بداخلها”، وأنت بخططك الثلاثية تضع الطعم داخلها ثم تُقيّد نفسك من القوس الأول حتى نهاية القوس الأخير، وهكذا دواليك، وكذلك تذكّرني بما قاله الكاتب الروائي إبراهيم الكوني: “إذا وقعت في الفخ فعليك أن تخرج منه وحدك، وإذا لم تستطع فتقبل مصيرك بشجاعة”، وفي حقيقة أمرك أنك وقت في فخ الاستهلاكيات كالمنزل المشترى بالتمويل البنكي طويل المدى، والسيارة التي تشتريها بنظام الأقساط المنتهية بالتملك، وشراء الجوال بالأقساط، وشراء الأثاث المنزلي بالأقساط، وشراء الأجهزة المنزلية بالأقساط.
– ولا تنسى أن زواجي عام 1408للهجرة، كان بالأقساط أيضًا، لأنني استفدت قرضًا من بنك التسليف وقتئذٍ، وصرت أسدد في أقساطه عدة سنوات.. أما عن سؤالك إلى متى تستمر معي هذه الخطط الثلاثية فأجيبك: إلى أن يأتِيَني اليقين، وأدرك الحقيقة التي ألاحقها منذ 13 ربيع الثاني 1386هـ، حتى تاريخ كتابة هذه السطور ونحن في عام 1446هـ، وإلى أن يشاء الله.
– المشكلة كم خطة ثلاثية في حياتك كلّها؟!.
– العلم عند الله، {… لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)}-الرعد-.
14/05/1446هـ