أقلام

حينما قطف صلاح بن هندي، من أشواك طفولته زهراً وأهداها لحضور أمسيته

هاني الحجي

حينما يحاول أديب أن يكتب عن سيرته الذاتية في كتاب فإنه يعي حجم المغامرة، فكتابة السيرة الحقيقية تتطلب شجاعة واعية، هذا اذا تحدثنا عن السيرة، وليس تسليط الضوء على جوانب إيجابية لحياة الأديب، لأن كتابة السيرة تعد نوعًا من أدب الاعتراف التي تكشف عن جوانب غامضة، ومسكوت عنها في حياة الكاتب، وليس سردًا لما يريد أن يوصله للقارئ عن تجربته في أماكن مضيئة، وستكون المهمة حتمًا أصعب لو كان الكاتب سيقف أمام الجمهور ليسرد جانب من سيرة طفولته، وظروف تشكلاتها الأدبية والثقافية.

ما الذي يستطيع الكاتب أن يكشفه من مناطق غائرة في كهوف الذاكرة، ووعورة الماضي؟!

تواردت هذه الاسئلة في ذهني حينما قرأت إعلان جمعية الأدب عبر سفرائها بالأحساء عن أمسية بعنوان (طفولة صنعت أديبًا) للأديب، والمثقف صلاح بن هندي في دار نورة الموسى، ولأني قرأت للأديب في القصة والشعر كنت متوقعًا أنه سيسرد جانب من ذاكرة الأحساء عبر زقاقها وفرجانها، ولأني أعرف ثقافة الكاتب الواسعة ازداد فضولي وشغفي للإجابة على تساؤلاتي.

ما الذي سيقدمه بن هندي، وما الذي سيتركه بين السطور ليفككه المتلقي، والضيف لديه من العمق والموسوعية القرائية ما تجعله يغوص بالحضور في بحور إبداعه، ويوصلهم بقارب ذكائه لشاطئ الأمان لسيرته الطفولية، ومما زاد من الشوق شوقًا ومن الحرف توقًا وأنها ستكون ليلة ناضجة اختيار الجمعية المثقف والأديب (كاظم الخليفة) لإدارتها. كنت أحفز نفسي لحضور مباراة أدبية ثقافية سيرية لأن كاظم بخبرته وثقافته، وتجربته قادر على استفزاز ضيفه، وجره إلى مناطق عميقة في غياهب السيرة، والدخول معه في دهاليز ذاكرته الإبداعية ليسلط عليها ضوءًا يكشف جوانب لن تخرج إلى النور إلا إذا كانت في قالب سيرة أدبية.

عندما دخلت القاعة كانت مزدانة بحضور نخبة من أدباء الأحساء ومثقفيها، وفي مقدمتهم رئيس فرع الجمعية بالأحساء د.عبدالله الخضير وعضو الجمعية الأديبة د. بشاير محمد، وكان المتحدث -كما توقعت- يسير في حقول من الأشواك ليقدم للحضور زهورًا من أريج طفولته، وكان يلجأ إلى الشعر حينما تحاصره الأسئلة لسبر الزوايا البعيدة منها، فهو كما قال في السؤال الذي وجهته له ما الذي يستطيع الكاتب تقديمه من سيرته، وماهي الخطوط التي تتوقف عندها سرديته عنها؟ وأجاب بذكاء أن الكاتب لا يخرج عن بشريته في حياته، ويمكنه تقديم ما يفهم المتلقي من الجوانب المخفية في شخصيته الأدبية، ويترك المسؤولية على القارئ في فهم ما بين السطور، فالسيرة تقع في منطقة الظل ولا ينبغي أن تكون مكشوفة بإضاءة الصراحة، ولا مظلمة في زاوية الغموض، واستعان صلاح بالصوة أيضًأ في عرض سيرته الطفولية ،وهنا تساءلت: هل كان يريد الاختباء خلفها، أم أنه يريد السيطرة على ذهن المتلقي بثقافة الصورة، وهو يوجهه بلمساته الذكية للمناطق التي يريدها هو وليس المتلقي.

وبما أنه شاعر استطاع أيضًا أن يسحر الحضور بمقطوعاته الشعرية ليتجاوز الأسئلة الحرجة في مكامن السيرة الذاتية.

تحدث بن هندي في أمسيته عن علاقته بجده وجدته ووالديه والحي الذي يسكن فيه وجيرانه والمدرسة الابتدائية، وعلاقته بمعلمه القدوة، وابن عمه الذي كان بيتهم سبب تدينه –كما يقول-، ولكن بقيت مناطق غامضة وأسئلة غابت إجاباتها تدور في ذهني وعند الحضور.

أيعقل شاعر بكل هذه الأحاسيس المرهفة والمشاعر الجياشة يتحدث عن فترة طفولته ومراهقته، والتي امتدت إلى السابعة عشر من عمره لم تعبر في حياته أنثى؟! ولم يتورط بتجربة مفخخة من العلاقات الوردية؟! وهو الذي قرأ أشعار مجنون ليلى أم أن انغلاق المجتمع ومحافظته كانت سببًا في ذلك؟

أين التمرد في الطفل الأديب الذي يجعله مختلفًا عن باقي أقرانه في المدرسة والحارة وعلاقته بمعلميه وعائلته ووالديه ألم تكن هناك أحداث دونتها ذاكرته التي كانت تثير التساؤلات حول مشاغباته؟!.

لو أردت تلخيص محتوى الأمسية الرائعة لاستعرت ما قاله غازي القصيبي في مقدمة كتابه: (حياة في الإدارة)، حيث أكّد أنه سيقول الحقيقة، ولن يقول إلا الحقيقة، ولكن ليس كل الحقيقة، وهذا ما قاله صلاح بن هندي في سيرة طفولته وما لم يقله منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى