الوصول إلى حالة الإنغماس وقياس مستواها
المترجم : عدنان أحمد الحاجي
مقدمة (1)
في بعض الأحيان تجد نفسك منهمكًا (منغمسًا) في إحدى المهمات لدرجة أنك تنسى كل شيء ما عداها. نحن نسميها الوصول إلى حالة التدفق (الإنغماس أو التركيز المكثف) (2).
حالة الإنغماس إذًا هي انتباه مركز ومكثف بالكامل على المهمة، أي “حالة من الحضور التام. ونتيجة لذلك، لا تؤثر المشتتات في حرف الانتباه. حين تصل إلى حالة الإنغماس هذه تجد نفسك مشغولًا بشيء ما، مركزًا عليه اهتمامك تركيزًا تامًًا إلي درجة تشعر وكأن الوقت يمر بسرعة. قد تكون مشغولًا بأداء وظيفة ما، أو مركزًا على شيء مختلف تمامًا، كما لو كنت منهمكًا في لعبة شطرنج أو كمبيوتر أو تتفرج على مباراة كرة قدم أو أي شيء آخر.
لكن الإنغماس ليس مجرد تعبير يستخدمه الناس. لقد استخدم هذا المفهوم علماء نفس منذ ما يقرب من 50 عامًا، لأن الوصول إلى حالة الإنغماس يمكن أن يكون مفيدًا للناس.
جادل ميهالي شيكسزنتميهالي Mihaly Csikszentmihaly وآخرون.(3). بأن “حالة الانغماس هي حالة شخصية (لا موضوعية) يفيد بها الشخص نفسه بنفسه عندما يكون منهمكًا تمامًا في شيء ما إلى درجة عدم الالتفات ألى مرور الوقت والتعب وكل شيء آخر ما عدا المهمة نفسها التي يعمل عليها”. بالإضافة، هذه الحالة تشمل أهدافًا واضحة وسيطرة على المهمة، وذلك بمعرفة ما يجب فعله بالضبط. بيد أنه في وجود سيطرة مطلقة على مهمة تفوق فيها المهارات الشخصية التحديات المتصورة المطلوبة لإنجاز هذه المهمة، فمن المتوقع أن تحدث حالة من الاسترخاء والملل [فترة أو فترات وجيزة من عدم استمرار الانغماس]، في المقابل، عندما يُنظر إلى التحديات على أنها أكبر من المهارات، قد يشعر المرء بالقلق أو الإحباط أثناء عمله على المهمة. وبالتالي، يعتبر التوازن الديناميكي بين المهارات والتحديات مسألة أساسية وحاسمة بالنسبة لحالة الإنغماس. لكن حين تلتقي التحديات المتصورة مع القناعة المتعلقة بامتلاك المهارات الكافية لمواجهة هذه التحديات، قد تبدأ حالة الإنغماس.
قد يشعر بعض اناس بحالة الإنغماس لفترة طويلة قد تطول لعدة ساعات. بيد أنه من المهم الإشارة إلى أن الاستمرار في حالة الإنغماس قد يكون صعبًا بمرور الوقت، كما لو استمرت إلى عدة ساعات، وقد تحدث الحالة بشكل دوري [تذبذب بين حالتي الانغماس والاسترخاء]. قد تؤدي العناصر (الشروط أو الظروف) المختلفة لحالة الإنغماس إلى تجربة فردية مختلفة لحالة الإنغماس الشمولية. على سبيل المثال، ضعف أو عدم وجود توازن بين المهارات والتحديات أو عدم وجود سيطرة أثناء حالة الانغماس قد يؤذي إلى حالة انغماس متقطعة، كما لو حدثت الحالة عدة مرات خلال اليوم لفترات أقصر، أي دقائق. يمكن النظر إلى هذه الطبيعة المتقطعة للحالة على أنها فرصة للإحساس المتكرر بالمكافأة (بالإنجاز)، والذي يشار إليه بتحقيق الهدف لذاته (العصامية، أو العمل من أجل العمل لا لتحقيق هدف خارجي آخر)، وذلك من شأنه أن يحفز على مزيد من الانخراط في النشاط (المهمة). لسوء الحظ، لا يُعرف سوى القليل عن دور كل عنصر من عناصر الانغماس في تواتر حالة الانغماس وكثافتها
“قد يكون الوصول إلى حالة الإنغماس حالة مهمة عندما يتعين على المعلمين ملاءمة طريقة تدريسهم لإتاحة الفرصة أمام جميع الطلاب لاستيعاب المادة التعليمية. يقول هيرموندور سيغموندسون Hermundur Sigmundsson، الأستاذ في قسم علم النفس في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا NTNU : “لو وصلنا إلى حالة الإنغماس، فقد وصلنا أيضًا إلى المستوى المناسب للطلاب.”
الدراسة التي أجرتها الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا NTNU
فحص جديد من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا لقياس مستوى الإنغماس. وهذا القياس مفيد في عدة سياقات أو أطر. تعاون سيغموندسون مع زميلته ماجدالينا إلنيس Magdalena Elnes لتطوير فحص مستوى الإنغماس.
الإنغماس عندما تلتقي التحديات مع المهارات
كان الهنغاري الأمريكي ميهالي شيكسزنتميهالي Mihaly Csikszentmihalyi أستاذًا في علم النفس. طرح نظرية الانغماس في عام 1975 واستُخدم المصطلح في علم النفس الإيجابي (4) لمعرفة مستوى حالة التركيز المكثف.
“نظريته تُعتبر نظرية مهمة جدًا لكثير من الناس. يقول سيجموندسون: “لقد عملت معه منذ عام 1989.”
تم الاستشهاد بأبحاث شيكسزنتميهالي حتى الآن 170 ألف مرة، وبالتالي فهي تُعتبر نظرية أساسية لهذا المجال من الدراسة.
حالة الإنغماس ضرورية لتحقيق نتائج جيدة
حالة الإنغماس تحدث بين حالة الملل وحالة الخوف أو حالة الذعر. قد يصل إليها شخص بمفرده أو يصل إليها ضمن جماعة (مجموعة).
يقول هيرموندور سيغموندسون: “ينبثق الإنغماس حينما تلتقي التحديات بالمهارات”.
غالبًا ما يكون الإنغماس ضروريًا للحصول على نتائج جيدة، وحين نصل إلى حالة الإنغماس يمكن أن نعوف شيئًا عن التحديات أو الصعوبات المناسبة لنا ولنوع مهاراتنا.
فحص جديد لقياس الإنغماس
وبالتالي يمكن أن يكون الإنغماس مفيدًا جدًا لو أردنا الإنجاز. طور باحثون في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا فحصًا جديدًا لقياس مستوى الإنغماس، وسموه “مقياس قابلية الإنغماس العام” (1) General Flow Proneness” Scale”.
يقول سيغموندسون: “إن الفحص سهل ويمكن استعماله في عدة سياقات مختلفة”.
طور باحثون في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا. الفحص على 228 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 18 و76 عامًا. بالإضافة إلى ذلك، قاموا بفحص 23 شخصًا مرتين، بفارق أسبوع واحد، لمعرفة ما إذا كانوا قد حصلوا على نفس النتيجة بعد مرور فترة زمنية بين الفحصين، وكانت النتائج جيدة.
يقول سيغموندسون: “غالبًا ما أستخدمُ مصطلح الإنغماس في تدريسي للطلاب، لذلك وجدت أن تطويري لهذا القياس ممتع جدًا لقياس حالة الإنغماس لدى الطلاب.”
“مقياس قابلية الانغماس العام هو عبارة عن استبانة يفيد بها المرء بنفسه عن نفسه تحتوي على 13 سؤالًا تركز على تفضيل التحدي، والقدرة على تحقيق التوازن بين المهارات والتحديات، والدخول في حالات الانغماس بشكل متواتر.” وفقًا لـ سيغموندسون هذا الاستبانة “سهلة ويمكن استخدامها في عدة سياقات مختلفة”.
مقياس قابلية الانغماس العام المكون من 13 بندًا (5)
أنا أستمتع بالمهام / الأنشطة التي فيها تحدي وتتطلب الكثير من التركيز.
عندما أركز على مهمة / نشاط ما، أنسى ما يحيط بي (من الأشخاص الآخرين والمكان والزمن).
عادةً ما أدخل في حالة انغماس جيدة عندما أفعل شيئًا ما (هذا الشيء لا سهل جدًا ولا صعب جدًا).
عندي عدد من مجالات الاهتمام المختلفة.
من الصعب أن أترك أو أبتعد عن المشروع الذي أعمل عليه حاليًا.
أشعر بالضغط النفسي في مواجهة المهام التي تنطوي على تحدٍ / صعوبة.
أجد صعوبة في الاستمرار على التركيز على المهمة بمرور الوقت.
سرعان ما أسأم والتعب من الأشياء التي أعمل عليها.
عادةً ما أكون راضيًا عن نتائج جهودي في مختلف المهام (أشعر بالإتقان).
كثيرا ما أنسى أن آخذ قسطًا من الراحة عندما أركز على شيء ما.
أشعر بالملل بسهولة.
مهامي اليومية مرهقة وليست محفزة.
يتزايد اهتمامي بمعظم ما أقوم به في الحياة
يختار كل شخص رقم البند التي يتلاءم مع حالته، ويقيم مستوى مشاعره عن كل بند باستخدام مقياس من 1 إلى 5 (1 = لا أوافق بشدة، 5 = أوافق بشدة)
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/21582440231153850
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/تركيز_(علم_النفس)
3-https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/21582440231153850#bibr10-21582440231153850
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_النفس_الإيجابي
5- https://www.psychologytoday.com/intl/blog/the-athletes-way/202303/13-questions-that-measure-flow-proneness-in-daily-life
المصدر الرئيس [النص أعلاه مأخوذ من ثلاثة مصادر، اثنين منها مدرجة أعلاه)