فلانٌ همته بطنه!!
ياسر بوصالح
استوفتني مؤخراً حكمة لأمير المؤمنين عليه السلام يقول فيها (من كانت همته ما يدخل بطنه، كانت قيمته ما يخرج منه)
فقفزت في نفسي شبهة عارضة: ألا يتنافى ذلك مع حديث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله (للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة يوم يلقى ربه)؟!
إذ ما ذنب ذلك الصائم المسكين أن يدخله جوعه في عنوان همته بطنه؟!
بل وقيمته ما يخرج منه؟!
بل أكثر من ذلك ألا يتنافى مع الأية الكريمة التي تصنّف المائدة والطعام على أنهما عيداً لآكليه (اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
ثم تبين لي أن تلك الشبهة العارضة في مخيلتي متهافتة بل هي أقرب الى المغالطة فالإمام علي عليه السلام كان يقول من كانت همته أي من كان طموحه وهدفه بطنه وليس ذلك المسكين الذي يستجيب لنداء جوعه البيولوجي.
لكن مع ذلك سرعان ما قفزت لمخيلتي شبهة متهافتة أخرى الامام علي عليه السلام صاحب تلك الكلمات المموسقة (إلهي قرعت باب رحمتك بيد رجائي، وهربت إليك لاجئا من فرط أهوائي، وعلقت بأطراف حبالك أنامل ولائي) أمعقول أن ينزل تلك العقوبة القاسية (كانت قيمته ما يخرج منه) في هذا الإنسان الذي كرمه ربه سبحانه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) لكن سرعان ما عدتُ وقرعتُ تلك المخيلة البائسة لكن بيد من حديد هذه المرة اذ أنها مغالطة فجة فنفس القائل لـ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) هو نفسه القائل (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) أو ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) فلا ينبغي اجتزاء الفكرة من سياقها أو تطبيق منهج ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)
ما قاله الإمام علي عليه السلام قد يبدو قاسيًا عند النظر إليه بظاهر الكلمات، ولكنه في حقيقته يحمل معنى أعمق يرتبط بالقيم الإنسانية والروحية، بل بأبي هو وأمي يريد أن ينّبه إلى أهمية السعي وراء الأهداف السامية والطموحات العالية بدلاً من الانشغال بالشهوات والأمور الدنيوية الزائلة.
في هذا السياق لفت نظري في هذا (الرابط) شخص هندي استطاع بمفرده وخلال 40 سنة ان يزرع غابة مساحتها 550 هكتاراً أي ما يعادل خمس مدينة سيهات لله در هذه الهمة العالية والمذهلة.
بل أكثر من ذلك المرحوم سلطان العذل الملقب بستيفن هوكينج العرب مؤسس شركة سمسا إكسبرس استطاع أن يدير هذا الكيان الضخم لمدة 23 سنة رغم اعاقته بالتصلب الضموري العضلي الجانبي.
وفي المقابل تجد عندنا طابوراً طويلاً وعريضاً من أجل شراء كأس قهوة؟!
بربكم ألا يصدق على أولئك (من كانت همته ما يدخل بطنه، كانت قيمته ما يخرج منه )؟