لا تسمح بتعفّن دماغك!
غسان بوخمسين
قد يبدو العنوان صادمًا وغريبًا، ولكنه يعكس واقعًا سلبيًا نعيشه حاليًا، وهو حالة ضعف وتدهور قوى التفكير والإدراك لشريحة من الناس، نتيجة إدمانهم وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى السريع والهابط. نشأ هذا المصطلح حين أعلنت دار نشر جامعة أكسفورد (Oxford University Press) قبل أيام، عن اختيار مصطلح “تعفُّن الدماغ” (Brain Rot) لتكون كلمة العام لعام 2024، وذلك بعد أن حصد المصطلح أكثر من 37 ألف صوت. ولهذا المصطلح أهمية كبيرة في عصرنا فعلًا؛ إذ يعكس روح هذا العصر المتخم بالثقافة الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي والمحتوى القصير والسطحي على منصات التواصل الاجتماعي.
معلوم أن “تعفن الدماغ” هو وصف مجازي يشير إلى التدهور المفترَض في الحالة النفسية أو الفكرية للشخص الذي يرتبط عادة بالإفراط في استهلاك المحتوى الرقمي التافه أو منخفض الجودة على الإنترنت. لكنه لا يعني من الناحية النفسية إلى وجود حالة سريرية أو تدهور إدراكي قابل للقياس؛ وإنما يعكس حالة الخوف والقلق بشأن تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي والحياة الافتراضية في الوظائف الإدراكية، وخصوصًا بين الأجيال الشابة.
وهنا ينبغي لنا أن نتساءل:كيف تسبب وسائل التواصل الاجتماعي تعفُّن الدماغ؟
على الرغم من أن تعفُّن الدماغ ليس مصطلحًا علميًا؛ ولكنه يعكس المخاوف المتعلقة بالتغيرات المعرفية والعاطفية المرتبطة بالاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ تؤثر هذه الأخيرة في الدماغ كثيرًا، وذلك على النحو التالي:
1-تقليل مدى الانتباه: حيث يؤثّر الإنترنت، بما يحتويه من محتوى متنوع ومتجدد باستمرار، في كيفية تخصيص انتباهنا، فغالبًا ما تتطلب هذه التطبيقات التبديل بسرعة بين المهام، مثل الاستجابة للإشعارات، أو قراءة المقالات، أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وكل ذلك في فترات قصيرة. ويمكن لهذه العادة المتمثلة في تقسيم الانتباه بصورة متكررة أن تدرِّب الدماغ على معالجة المعلومات في فترات أقصر.
قد يؤدي هذا بمرور الوقت إلى صعوبة التركيز بدرجة عميقة على مهمة واحدة لفترة طويلة، حيث يعتاد الدماغ على الانقطاعات والانتباه المجزّأ. وبالطبع، يؤدي هذا الانخفاض المستمر في التركيز إلى إعاقة الأنشطة التي تتطلب تركيزًا مطولًا، مثل الدراسة أو قراءة المواد المعقدة أو الانخراط في التفكير العميق والإبداعي.
2- ضعف الذاكرة: إن التدفق المستمر للمعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي يزيد الحمل المعرفي على الدماغ، ما يصعِّب تخزين الذكريات واسترجاعها. كما تعمل شبكة الإنترنت على تغيير طريقة تعاملنا مع المعلومات؛ فبدلًا من الاعتماد على الدماغ في تذكّر الحقائق وتخزينها، أصبحنا نعتمد على الإنترنت بصفتها نظام تخزين خارجي، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل استخدام الذاكرة الداخلية وتغيير أنماط الاسترجاع. في المحصلة، قد تؤدي هذه التغيرات إلى تحوّل في كيفية معالجة الدماغ للمعرفة والاحتفاظ بها، ما يؤثّر في وظائف الذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى.
3-التأثير في نظام المكافأة في الدماغ: يؤدي كل “إعجاب” أو تفاعل إيجابي نحصل عليه في حسابتنا على منصات التواصل الاجتماعي إلى إطلاق الدوبامين، وهي مادة كيميائية مرتبطة بالمتعة والدافع، الأمر الذي يؤدي إلى خلق حلقة مفرغة من البحث عن الإشباع الفوري، ما يجعل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أمرًا قهريًا. فضلاً عن أن غياب الإعجابات أو التفاعل يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالحزن والقلق وحتى الاكتئاب.
– 4التأثير في الصحة النفسية: تقول المختصةالنفسية جواهر عبدالعليم، إن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل على تعزيز المقارنات السلبية مع الآخرين، ما قد يؤدي إلى معاناة عدم الرضا أو الغضب المكبوت أو التوتر أو القلق والاكتئاب.
5- إضعاف القدرات الذهنية: إن الانخراط في أنشطة لا تتطلب جهدًا ذهنيًا كبيرًأ مثل مشاهدة مقاطع فيديو مضحكة أو تصفح الميمات يوفر الحد الأدنى من تحفيز الدماغ، وقد يؤدي هذا الافتقار إلى المشاركة الذهنية مع مرور الوقت إلى إضعاف التفكير النقدي وحل المشكلات ووظائف الذاكرة.
وهنا أجد من المفيد ذكر بعض النصائح الفعالة للتقليل من آثاره:
1-قلّل وقت الشاشة: تتبّع مقدار الوقت الذي تستغرقه في التصفح، وضع حدوداً يومية لهذا الوقت. غالبًا ما يُوصى البالغون بتقليل الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات؛ بما يشمل وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أقل من ساعتين يوميًا، وأن يُقسَّم هذا الوقت إلى فترات قصيرة محددة خلال اليوم. على سبيل المثال؛ 20-30 دقيقة، 3 مرات في اليوم.
2- اختر المحتوى المناسب: تابع المحتوى القيّم والإيجابي والهادف، وتجنّب المحتوى الضار الذي يثير فيك شعورًا بعدم الارتياح أو عدم الرضا أو التوتر..
3-مارِس التمارين الرياضية بانتظام
يساعد النشاط البدني، حتى لو كان لمدة 30 دقيقة يوميًا، على تحسين تدفق الدم إلى الدماغ، فيقلِّل التوتر، ويعزز الذاكرة، ويحسِّن المزاج.
3- اتبع نظامًا غذائيًأ متوازنًا.
4- نل قسطًا كافيًا من النوم: احرص على النوم 7-9 ساعات ليليًا، والمحافظة على روتين نوم صحي، مثل الاستيقاظ والنوم في الموعد ذاته كل يوم، واتباع روتينًا ليليًا يساعد على الاسترخاء والاستعداد للنوم مع تجنُّب استخدام الهواتف والأجهزة الإلكترونية قبل النوم مباشرة.
5 -خُذ فترات راحة: أعِد ممارسة هواياتك واهتماماتك التي لا تتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي؛ مثل الرسم أو قضاء الوقت في الطبيعة .
6- أعطِ الأولوية للتفاعلات الاجتماعية الحقيقية:
احرص على قضاء وقت كاف مع الأحبة، وحاول بناء علاقات هادفة بعيدًا عن الإنترنت والمحافظة عليها، ولا تفوّت فرصة من شأنها أن تنطوي على تفاعل إنساني حقيقي بعيدًا عن الفضاء الافتراضي.