أقلام

بصمة

السيد فاضل آل درويش

العلاقات الاجتماعية الناجحة والمثمرة تقوم على أساس المحبة والاحترام الذي يكنّه الإنسان للآخرين، وتتوّج تلك العلاقة عندما يكون الفرد صاحب عطاء ينفتح على حاجات الآخرين وهمومهم قدر إمكانه، فالشخص الأناني ينفصل عن واقعه تمامًا ويعيش متقوقعًا حول غاياته ومصالحه الخاصة، ولا يكترث لما يدور حوله من كُرب تحل بالغير وما يساورهم من آلام يئنون منها، كما أن صفة الشح تبلّد أحاسيس الفرد تجاه الآخرين فيمتنع عن مد يد العون والمساعدة بأي شكل، فيضن (يبخل) بمشاعره ووقته وجهده فضلًا عن ماله عن إبداء الاهتمام بمشاكل الغير، ومثل هذا البخيل عاطفيًا وماديًا لن ينال شيئًا من محبة الآخرين، كيف وهم يرونه بعيدًا – كل البعد – عن همومهم ولا يأبه إلا بمنافعه الخاصة وما يدر عليه من فوائد.

المكانة الاجتماعية العالية والمميزة والمرموقة لا تُفرض على أحد من الناس، بل هي نتاج مواقف رائعة امتزجت فيها مشاعر الفرد مع هموم الآخرين، وجعل من المال جزءا من وسائل بلسمة الآلام ودفع العوز عن غيره، فحينما يمد يد العطاء يثبت أنه قد تخلّص من أغلال حب المال المقيت والمدمر، فما أقبحها من صورة أن يتحوّل الإنسان المكرّم إلى صندوق يجمع فيه المال ويكنزه فلا يُفتح ويُرى ما به إلا بعد رحيله، يعيش عيشة الفقراء ويظلم أسرته بأن يحييهم في ضنك من العيش والفقر !!

يعبّر الإمام السجاد (ع) عن أولئك الذين تحرروا من قيود حب المال الأعمى بأنهم السادة الحقيقيون في الدنيا ومن يستحقون اعتلاء قمة الهرم للمكانة الاجتماعية، فعزتهم وكرامتهم أبت أن تخضع لأسر المال واستطاعوا أن يرسموا بصمة رائعة لوجودهم تُذكر على ألسن الخيّرين.

وإذا كان السخاء والبذل سبب للمكانة العالية في الحياة الدنيوية، فإن التقوى ونزاهة النفس عن شوائب الشهوات المتفلتة والأهواء النفسية عامل السيادة المتقدّم في اليوم الآخر، فالمنهج العبادي الذي جاء به الدين الحنيف إنما هو لصناعة وصياغة شخصية الإنسان واكتسابها صفة التقوى، فيتحرّك الإنسان وفق ضمير حي ونفس يقظة بما يواجهه من عراقيل ومغريات قد تزل عندها قدمه وتهوي به إلى وادي الخسران السحيق، من خلال بصيرته واستقامته وتنزهه عن ارتكاب ما يسوّد وجهه وصحيفة أعماله من قبائح وعيوب، وصفة التقوى أي الوقاية والتورّع عن محارم الله تعالى نابع من استشعار عظمة الله تعالى ورقابته لعباده فيما يسرون ويعلنون، فالانهيار النفسي يصيب المرء الذي يتخلّى عن تفكيره الواعي ويرتمي في أحضان النزوات والغرائز، فيرتكب من الخطايا والمحرمات ما يعود عليه بالوبال والهلاك والعقوبة الأخروية، وعظماء هم من يمتلكون زمام أمورهم ويضبطون إيقاع تصرفاته وحديثهم وفق نظام التحكّم العقلي، فما أخطره من طريق أن تدع القيادة بيد أهوائك التي تقودك للجزاء الأليم، بعد أن تكون قد مزّقت غطاء الستر والطهارة النفسية، وانقدت خلف التزيين الشيطاني حتى زحف بك من حفرة مكر آثمة إلى أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى