حلّ مسألةٍ حِسابيّةٍ بطرِيقةٍ أُخرَى
عقيل المسكين
– أن يكون على عاتقك واجبًا ما في مادة الحساب، ولكنك لم توفّق لحلّ هذا الواجب في الدفتر، ليس لأنك لم تحفظ القانون الخاص بحلّ هذه المسألة.. لا .. ولكنك انشغلت بأشياءٍ أُخرى في حياتك اليومية؛ وما انشغلت به أو معه لم يأبه بتاتًا بأنك حللت الواجب أم لم تحلّه فهذه مشكلتك أنت وليست مشكلته، وعند حضور الدرس وسؤال المدرس عن دفاتر الواجبات لم يكن دفترك قد وفّى بإيجاد هذا الحلّ في الصفحة المخصصة له، فالذنب هو ذنب دفترك وليس ذنبك أنت أليس كذلك؟.
ولكن الأعجب من ذلك كلّه وبعد أن عرف المعلّم بأنك لم تضع دفترك ضمن دفاتر الطلاب على طاولة المتقدمة على كلّ طاولات الطلاب والمتوسطة أمام السبورة الكبيرة؛ وبجانب حقيبته بنيّة اللون التي يحضرها معه بشكل يومي بجانبها تلك العصا الغليظة التي يخافها جميع الطلاب أكثر مما يخافون آباءهم وأمهاتهم، التفت إليَّ المعلم وقال:
-عقيل أنت لم تحضر دفتر الواجب، اخرج عند السبورة وقم بحلّ المسألة بسرعة.
فقمت من على الكرسي الذي أجلس عليه وأنا أقدم رجلًا وأؤخر الأخرى، فيقول الأستاذ:
– ما لَكَ .. هيا بسرعة إلى السبورة وقم بحلّ المسألة.
فتوجهت إلى السبورة والتقطت طبشورًا من الطباشير الموضوعة على حافتها البارزة، وقمت بقراءة المسألة بصوت مسموع، ثم ترددت قليلًا في الحلّ، إلا أنني التفتّ إلى الأستاذ فوجدته مُمتعضًا قليلًا وهو يتوجه إلى الطاولة من جهةِ العصا الموضوعة على سطحها، فتقدمت بخطوة واثقة نحو السبورة وبدأت بكتابة الحلّ حيث تذكرت الطريقة ولكن تذكري لها كان ناقصًا، وبدأت أكتب طريقة الحلّ كما وجدته في ذهني، ثم قمت أحلّل المسألة تحليلًا لم يكن موجودًا في الكتاب إلا أن بعض الطلاّب بدؤوا يصدرون بعض التأوهات احتجاجًا على طريقتي في الحلّ، فأسكتهم الأستاذ بعد أن حمل العصا ولوّح بها تجاههم فسكتوا، وأنا لا زلت مستمرًا في حلّ المسألة الحسابية بطريقتي الخاصة وليست بطريقة الأستاذ أو الطريقة المشروحة في الكتاب، والأستاذ يقول لي:
-استمر يا عقيل.. استمر.
تشجعت من حسن تصرّف الأستاذ وتشجيعه لي بطريقة حلّي للمسألة الحسابية، إلا أنني شعرت بذاتِ الشعور الذي شعر به الراعي عندما علم بأن الخروف الضائع كان في مقدمة الجبل، ولا داعي لأن أمشي مُتسللًا بدورة كاملة علَى كامل الجبل حتى أكمن للخروف وأنا أراه أمامي ومن السهل الإمساك به، فلماذا يقوم الرّاعي بهذه اللفةِ الطويلة على الجبل ليصطاد الخروف التائه؟!
عندما امتلأت السبورة بمراحل الحلّ للمسألة الحسابية وصلت أخيرًا للنتيجة، حيث كتبت في آخر السطر علامة (=) وبعدها كتبت الجواب الصحيح.
الأستاذ تصرّف معي تصرفًا طريفًا حيث قام بالتصفيق لي، وقال:
– برافو برافو عقيل.. أنت توصلت إلى حلّ المسالة الحسابية بطريقة صحيحة، إلا أن طريقتك هذه لم يوردها الكتاب، وهذا دليل على أنك لم تراجع الدرس، ولكنني متعجب من طريقة حلّك ولا أستطيع إلا أن أعطِيك العلامة الكاملة وسأعتبرك قد حللت المسألة.. اجلس ولكنني أنصحك بالمواظبة على قراءة الدروس حسب القوانين التي تأتي في موضوعات الكتاب وليست حسب القوانين التي تأتي في دماغك.. وإني متعجب منك يا عقيل .. لقد أجبت عن المسألة بطريقة ذكية، وقد اهتديت إلى قانون آخر لحلّ أمثال هذه المسائل.
جلست وأنا كلّي أمل بأنني سأنجح في مادة الحساب بطريقة المنهج لا بطريقة عقيل المسكين، وقد نجحت آخر السنة في هذه المادة، ولكن بعض الإجابات كانت بطريقتهم، وبعض الإجابات كانت بطريقتي الخاصة، وشكرًا لذلك المعلم الذي أرضاني، ولم يرض بطريقتي.
الروائياتي:
– تصرفك أيها “المسك” بحل المسألة باستخدام قانون آخر غير الموجود في المنهج يعتبر اجتهادًا وإبداعًا في حل المسائل الرياضية، إذا كان الحلّ صحيحًا من الناحية الرياضية والمنطقية، فهذا يدلُّ على فهمك العميق للمادة وقدرتك على التفكير خارج الصندوق، وهذه القدرة غالبًا ما تشير إلى عبقريتك واستيعابك الجيد للمفاهيم الرياضية، حيث تتمكن من تطبيق مفاهيم مختلفة للوصول إلى الحلول، وتصرف الأستاذ في تشجيعك وإعطائك الدرجة المناسبة مع النصيحة بمراجعة القانون المطلوب في المنهج يعتبر تصرفًا تربويًا صحيحًا، وهذا النهج يشجع الطالب على التفكير الإبداعي والنقدي، وفي الوقت نفسه يضمن التزام الطالب بالمناهج التعليمية المعتمدة. الجمع بين التشجيع والتوجيه يعزز من مهارات الطالب ويمنحه الثقة في قدراته، وأنا متعجب لماذا لم تفلح في المواد العلمية وتنصرف للمواد الإنسانية كاللغة والنحو والصرف والأدب والنقد والفلسفة؟! أو كأنك تستشهد بمقولة جول فيرن: “قبل كلّ المدرسين، الحاجة هي ما يُستمع لها أكثر وهي الأفضل في التدريس”، وهذا يعني – حسب رأيك يا عقيل- أن المهم من الأستاذ هو يعطي حرية طرق الحل حسب الاحتياج الحقيقي؛ ثم يسهل بعد ذلك الطرق شيئًا فشيئًا حسب المنهج، وهذا رأي صحيح أيضًا كما أرى.
– بالنسبة لسؤالك لماذا لم أتخصص في المواد العلمية فجوابي هو: المرء وما يهوى، وبالنسبة لمقولة جول فيرن فهي صحيحة 100 %، لأن الطالب ينبغي أن يكون شريكًا في المنهج لا مُستقبِلًا فقط.
05/01/1446هـ