أقلام

قراءه في نص عالمي

ابتسام الموسى

ربما لا يوجد نص في تاريخ الأدب شرّقًا وغربًا برواية لافتة منذ مئات السنين حتى يومنا هذا، ولا يزال يجول في الثقافات الإنسانية قاطبة فيلهب المخيلات، ويستنهض الملكات الإبداعية ليجعلنا نقول بحق إنه النص الملك في لعبة التخييل على مر الأيام وكرّ السنين.

وقد انقسم المشهد الثقافي ما بين مؤيد لتداول الكتاب ويصفه بأنه عين من عيون الأدب، وما بين ساخط عليه ينظر إليه بأنه نص ساقط فاحش ومشوه للصورة المثالية للتاريخ وصانعيه.

هذا هو كتاب الليالي الشهرزادية الشهير بعنوان ألف ليلة وليلة.

كتاب ألف ليلة وليلة أحد أهم الكتب العاكسة للثقافة الشعبية، بل وللقيم السائده آن ذاك بين كثير من شرائح المجتمع حتى يومنا هذا.

ولم تكتب حكايات ألف ليلة وليلة من أجل الحكايات الشعبيه فقط، بل ارتبطت بطقوس الحكواتي الراوي شأنها شأن السيرة الهلالية وحكاية عنترة.

تقوم الحكايات بالمجمل

على ثيم حكاية تلد حكاية

أي أن كل حكايه تمسك بذيل أخرى،

وتختلف خاتمة الكتاب باختلاف النسخ، ولكن معظمها يجمع على أنه بنهاية الليلة الأولى بعد الألف يكون الملك قد رزق من شهرزاد بثلاثة أطفال، واستقر أمره ونسى ما كان من غدر زوجته السابقة، تأمينه شهرزاد على نفسها ويبادلها شهريار الثقة بدوره.

أول مايميز ألف ليلة وليلة أنه نص مجهول المؤلف، فمن هو الذي يقف أمام تجميع هذه النصوص وسبكها في ألف ليلة وليلة؟

وقد ذهب الباحثون إلى آراء عدة، فمنهم من قال إنه جهد أكثر من شخص ودلالة ذلك هو اختلاف الآراء والأساليب. ومنهم من قال إنه نص قضى فيه صاحبه عمره كله

فكان فرق الأسلوب والمزاج يعكس ما تمر به النفس البشرية على امتداد سني العمر.

وربما كان كاتبه فقيهًا استحى أن يضع اسمه عليها.

ودلالة ذلك جزالة أشعاره ودقة ما ورد فيه من فتاوى شرعية وأخبار القضاة وأخبار النحويين وهي أمور لا تجتمع إلا في فقيه أو خبير في أمور الشعر والحكمة وأخبار الناس وتقلب الأيام.

وأيًا كان من أبدع هذا النص الخالد الخطير فأن من العدل الأدبي أن يشار إلى قدرته المتفردة في سبر النفس البشريه واللعب على أوتارها بذكاء، ففي ليلة واحده يعيش قارئه نعيم الراحة ومصاحبة الجواري وجمال الانتظار.

وفي ليلة أخرى يسافر بأفكاره إلى شهوة المغامره وجموح المكان مسافرًا على بساط الريح أو الخيل المجنّح بصحبة أبطال أسطوريين.

لم يقتصر الكتاب على التشويق والمتعة والمغامرة بل تجاوزه إلى بعد فلسفي وأدبي يدعو للتفكر والتامل أحيانًا.

هذا إلى جانب بعد أخلاقي حيث إنه يعرض إلى جانب من الظلم والعدل

وهو في كل الأحوال يؤكد على ضرورة تحقق جزاء الأفعال خيرًا بخير وشرًا بشر.

تباينت الآراء وأختلفت في أصل

ألف ليلة وليلة، فهناك من يرى أن الأصل في آسيا الوسطى حاضرة الأسلام في الدولة العباسية مأخوذين بأسماء الأبطال مثل شاه زمان، وتكرار قصص سمر قند

والبعض الآخر يظن أنه نص فارسي اسمه هزار أفسانه، أي ألف خرافة

طبعًا ليس هناك توافق أو أي تطابق بين ألف ليلة وليلة إلا المقدمة والعنوان وما آل إليه الملك شهريار وزوجته شهر زاد، والبعض الآخر يظن أنه نص هندي، لأن النصوص الهنديه تكوّن سلسلة متماسكة الحلقات

مترابطة الأحداث.

ويرى آخرون أنه كلما توغل القارئ في الف ليله وليله كان أكثر تنسّمًا بالعبير العربي. فعبير النسيم العربي يأسرنا ويرغمنا بأن لا نقتنع بغيره.

وفي كتاب ألف ليلة حكايات تعبر عن بيئات عربية خصوصًا البيئة الشامية والعراقيه والمصرية،

ومليئة بأشعار العرب وأسمائهم.

وتعرض الكتاب على مر السنين لحروب عشواء وقد اتخذت هذه الحرب وجوه شتى، فبعضهم بفتاوى شرعية يطلقها رجال الدين، وبعضها خرافات انتشرت بين المجتمعات.

ففي المغرب العربي كانو يقولون من قرأ كتاب ألف ليلة وليلة فلا بد أن تصيبه مصيبة.

وبعضهم الآخر يقول من قرأ لأبنائه حكاية من هذا الكتاب ليلًا فسوف يصابون بداء القرع نهارًا.

اما في العصر الحاضر فكان منع قراءة الكتاب حاضرًا بحجة خدش الحياء العام، أو إجبار الناشر على تنقيح النسخة من أية مقطوعة مخلّة وإصداره نسخه مهذبة، مما يعني تفريغ النص من جوهره الأدبي والفني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى