خيوط حريرية
السيد فاضل آل درويش
تربية الأبناء مجموعة من الخطوط العريضة التي تحتاج في تنفيذها على أرض الواقع لمراعاة وبراعة وإتقان، فأهم معالم التربية الناجحة هو ضبط النفس والتروي في التحاور مع الأبناء أو التعامل معهم بعيدًا عن ضوضاء الانفعال والعصبية، فالفرد في حالة الغضب يفقد السيطرة على نفسه ويتلفّظ بما لا يعي ويتصرف بما لا يدرك، فيتلقى الأبناء كرات نار تعصف بقدراتهم النفسية والعاطفية وتصيبهم بفقدان الأمان الأسري والإحباط مع تكرارها، كما أن التدليل الزائد والثقة العمياء تخرّب سلوكيات الأبناء وتضعف شخصياتهم، إذ يكون الابن فاقدا للحس العملي وتحمل المسئولية والحماسة في تطوير قدراته، فالغرور والتكبّر يحجبه عن السعي المثابر ويأخذ مقلبًا في نفسه – كما يقال – .
مواجهة الأبناء للمشاكل والصعوبات والعراقيل في حياتهم أمر طبيعي ومن صلب القواعد الحياتية، ولكن المهم هو تعلّم مفاتيح التعامل مع المشاكل بالتروي والصبر والبحث عن مخارج، ولكن بعض الآباء والأمهات تتغلّب عليهم العاطفة فيتدخل بشكل مباشر لحل المشكلة تجنيبًا لابنه من وجع الرأس والألم والتعب، ويخطيء الوالدان بهذا التصرف إذ مستقبلًا ستكون شخصية ابنه هشة في معب رياح الحياة العاتية، والصحيح هو دعوة الأبناء لتحمل مسئولية التقصير والإخفاق والمشكلة، وأخذ الوالدين الدور الاستشاري والتوجيهي في رسم الحلول المتوقعة، مع أخذ الابن للدور المباشر والتنفيذي والعمل على تجاوز تلك المرحلة، مما يؤهله مستقبلًا لأخذ المبادرة وإبراز قدراته لمواجهة التحديات.
وردة الفعل تجاه ما يرتكبه من أخطاء وسلوكيات غير مقبولة وأوجه تقصير كذلك تُرسم بخط الاعتدال بعيدًا عن التهرّب من مسؤولية التوجيه أو المبالغة في التعنيف والتوبيخ، وقد يرتكب الوالدان خطأً جسيمًا بمواجهته بأخطائه أمام بقية أفراد الأسرة علنًا، مما يؤدي إلى انكساره بينهم واتخاذه ردات فعل عكسية تزيد من التوتر في محيط الأسرة وترهل عرى العلاقات بين أفرادها، فارتكاب الأبناء الخطأ أو التقصير يحتاج إلى تعامل دقيق غير مبالغ فيه، يسهم في تعريفه بمورد خطئه والطرق العلاجية له ولتجنبه مستقبلًا، وذلك من خلال لغة حوارية هادئة تحمّل الابن مسئولية تعديل تصرفه.
ومن الأخطاء التربوية في التعامل مع الأبناء وتأتي بنتائج عكسية هو أسلوب المقارنة مع أقرانه في محيطه الأسري أو الاجتماعي، فيتوهم الوالدان أن أسلوب المقارنة لون تحفيزي يشجع الابن على التخلي عن سلوك سلبي أو تقصير في دراسته، وذلك أن أهم أسباب القوة في شخصيته واقتداره هو الثقة بالنفس والاعتقاد بوجود قدرات وإمكانات عنده تسعفه في الوصول إلى طموحاته، كما أن أسلوب المقارنة يصيبه بالغيرة والحسد والكراهية كلما ذُكر أمامه أحد المهذبين أو المتفوقين، والتعامل التربوي هو تشجيعه وتنبيهه لما يمتلكه من قدرات عليه أن لا يهملها، كما أن متابعته وتقديم المحفزات كالهدايا وغيرها سيعزز فيه حب الإنجاز والتقدم.