أقلام

العمّ عبد الله رسم لي وسيلة مدرسية

عقيل المسكين

– في إحدى سنوات الابتدائية بمدرسة الأندلس بحي الخصاب (1394هـ/1399هـ)، طلب مني أحد المعلمين وسيلة مدرسية وهي عبارة عن كرتونة بيضاء أرسم عليها صورة الثعلب، وأظنها لمادة العلوم أو مادة القراءة –لا أتذكر الآن-، فاحترت أين أعد هذه الوسيلة، وعندما أخبرت أمي بذلك اقترحت عليّ أن أصعد للدور العلوي عند أعمامي وعماتي وأخبر عمتي أمينة لعلها تساعدني في تنفيذ هذا الطلب المدرسي، وبالفعل أخذت حقيبتي والكرتونة وصعدت للدور العلوي ودخلت غرفة الجلوس الكائنة على يمين الصالة أثناء دخولي، وهناك وجدت عمتي أمينة وعمي عبد الله وتحدثت مع عمتي أمينة والتفتت إلى عمي عبد الله فقال لي بقليلٍ من الغضب:

– عندما طلبوا منكم هذه الوسائل المدرسية لماذا قمت برفع إصبعك؟.. لماذا تطوعت بأنك ستعمل هذه الوسيلة؟.

فواجهت ذلك بابتسامة بريئة أولًا، ثم صاحبها مباشرة القليل من الحزن، وسرعان ما قلت له:

– الأستاذ هو الذي طلب من عدة طلاّب وأنا واحد منهم فلم أستطع التملص من تنفيذ طلبه، ثم إنني لم أقتنع إلا بالحصول على درجات النشاط.

ففهم عمي الأمر، وشعرت فيه بأُبُوّةِ العُمومة، وأحسست من خلال هذا الشعور بشيء من الراحة والاستئناس، وبالفعل قام بالاطّلاع على الكتاب وشاهد صورة الثعلب كما هي مرسومة في الدرس المحدد، وأعطيته الكرتونة البيضاء، وقلم الرصاص والمساحة والألوان التي كانت في حقيبتي، وبدأ يرسم الرسمة فأتقنها أيّما إتقان، وكأنه قد نقلها نقلًا أوتوماتيكيًّا من الكتاب مباشرة وأعجبت من موهبته الرائعة في الرسم، وقلت في نفسي: ما دمت يا عم عبد الله بارعًا في الرسم لماذا لم تصبح فنانًا مختصًا بالرسم كما كنت ولا تزال فنانًا في أعمال النجارة كلها تقريبًا؟!.

انتهى عمي عبد الله من تنفيذ الرسمة بالقلم الرصاص أولًا، وكان يستخدم المساحة في مسح أية خطوط غير مناسبة هنا أو هناك في نواحي الكرتونة، ولما اتضحت معالم الثعلب وصورته قام باستخدام الألوان الخشبية البني الغامق، والبني الفاتح، والأصفر، والأسود، حيث لوّون فروة الثعلب ورأسه وذيله وبقية أجزاء جسده بالكامل حتى انتهى من تلوينه تلوينًا متقنًا، ثم كتب في الأسفل: عمل الطالب عقيل بن ناجي المسكين، إشراف الأستاذ…… الفصل……..، ثم وضع إطارًا بالمسطرة واللون الأسود العريض للوحة، وبعد ذلك قام بِلفّها ووضع قطعة جلدة وقال لي: احتفظ بها لتأخذها معك للمدرسة.

فشكرته على قيامه بأداء هذه الرسمة، وأنا كلّي خجل من طلبي هذا، إلا أنني وجدت عنده حنيّة دافئة، وأشعرني بوفاء العم تجاهي وحبه لي، وهذا الموقف لم أنسه طوال حياتي.

الروائياتي:

– ذكرى جميلة أيها (المِسك)، وقد لفتت نظري ابتسامتك البريئة أولًا ثم ما جاء بعدها من الحزن، والابتسامة هنا مهمة جدًّا أما الحزن فهو شيء طبيعي في مواجهة هذه المواقف، وكما قال (جبران خليل جبران): “ابتسم، فالحزن يأخذ منك أشياء كثيرة، ولا يأتيك بأي شيء”، وقد كانت ابتسامتك هو المفتاح الحقيقي للموافقة، أما الحزن فهو دلالة على الخوف من عدم تحقق الطلب، كلما لفت نظري قولك لعمك بأنك لم تقتنع إلا بالحصول على علامة النشاط، وأنت اعترفت اعترافًا ضمنيًا بأنك لا تستطيع أن ترسم هذه الوسيلة الرسم المطلوب والمتقن، كأنك تذكرني بمقولة جميلة لـ (جول فيرن) عندما قال: “ليس الإنسان بمثالي ولا قنوع”، وهذا القول يُفسر على الوجهين الإيجابي وله أمثلته في الواقع، كما يُفسر على الوجه السلبي وله أمثلته من الواقع أيضًا، ومن أمثلته الإيجابية هو موقفك مع عمك، كما تُذكرني بالوسائل التي كانت تُطلب قديمًا من الطُّلاب والطالبات في الأنظمة القديمة للتعليم، أما الآن فالأمور اختلفت وتطورت أساليب التعليم في استخدام الكمبيوتر والبرامج وما إلى ذلك، وقد كانت أساليب التعليم قبل نصف قرن من الزمان في المدارس النظامية من ضمنها الوسائل الورقية كالرسم على الكرتونة البيضاء أية رسمة أو صورة للمواد مثل الحساب (جدول الحرب) والعلوم (بعض الحيوانات أو النباتات) وكتابة بعض قواعد النحو أو الإملاء وكتابة بعض قطع المحفوظات مثل القصائد .. وما إلى ذلك.. وكان الطلاب ينشغلون بعمل هذه الوسائل الورقية إما بأنفسهم أو يستعينون ببعض البارعين في الرسم والخط أو عن طريق بعض المكتبات والقرطاسيات.. وهكذا .. أما في عصرنا الحاضر فالأمور هذه تغيرت وتطورت بتطور التعليم نفسه حيث دخل الكمبيوتر واستعملت العديد من البرامج في هذه الانشطة الطلابية، والتعليم بشكل عام قد تطور وتطورت وسائل النشاطات الطلابية، وهذا موضوع واسع وشامل يعكس تغيرات كبيرة في التقنيات والأساليب التعليمية، فالوسائل في نشاطات الطلاب قديمًا، وعلى سبيل المثال قبل نصف قرن، كانت تعتمد بشكل كبير على الورق والأدوات اليدوية كالمعجون ومواد أخرى، ومن هذه الطرق الرسم والكتابة اليدوية حيث كان الطلاب يقومون برسم الصور على الكرتون الأبيض أو الورق المقوى لتمثيل مواد دراسية مختلفة كالعلوم والحساب، كما كانوا يكتبون بعض قواعد النحو أو الإملاء والقصائد بخط اليد، ومنها تصميم اللوحات التعليمية التي تتضمن معلومات هامة حيث كانت تعلق في الصفوف الدراسية مثل جدول الحصص، ومواعيد الامتحانات، وكان الطلاب والمعلمون يصنعون هذه اللوحات باستخدام الورق والألوان أيضًا، إضافة إلى تصميم لوحات المحفوظات الأدبية، حيث كان حفظ القصائد والنصوص الأدبية جزءًا مهمًا من التعليم، وكان الطلاب يتدربون على الإلقاء والحفظ، وكان الطلاب يستعينون عادة بالمكتبات والقرطاسيات في الحصول على تصميم هذه اللوحات سواء كانت بالرسم أو بالخط أو بالرسم والخط معاً، أو يقومون بصنع هذه الوسائل التعليمية بأنفسهم أو بالاستعانة ببعض المتخصصين في الرسم والخط، أما في العصر الحديث فمع تطور التكنولوجيا تغيرت الوسائل التعليمية بشكل جذري، ومن أبرز الوسائل الحديثة: الحواسيب والأجهزة اللوحية، حيث يتم استخدام الحواسيب والأجهزة اللوحية في الصفوف الدراسية بما فيها من برامج تعليمية وتطبيقات تفاعلية حيث تسهل عملية التعلم، إضافة إلى السبورات الذكية التي يمكن التفاعل معها عبر اللمس، حيث تتيح للمعلمين والطلاب إمكانية عرض المعلومات وتعديلها بشكل فوري، ومن الوسائل الحديثة الإنترنت والمصادر الرقمية التي أصبحت مصدرًا هائلًا للمعلومات، حيث يمكن للطلاب الوصول إلى مقاطع الفيديو التعليمية، والمقالات، والدروس التفاعلية بسهولة، كما تم الاستعانة بالبرامج التفاعلية مثل: PowerPoint، وPrezi، وCanva لإنشاء عروض تقديمية تفاعلية وجذابة، وكلها تدخل ضمن الأنشطة الطلابية لأن المعلمين يلجؤون إلى الكثير من التطبيقات التي يطلب من الطلاب تنفيذها عبر هذه الوسائل الحديث، وبالتالي يستغنون عن الوسائل القديمة.

وهناك ملاحظة جديرة بالذكر وهي الواقع الافتراضي والواقع المعزز، حيث أن تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز أصبحت تُستخدم لتقديم تجارب تعليمية غامرة، مثل زيارة المواقع التاريخية أو استكشاف جسم الإنسان بشكل ثلاثي الأبعاد، عبر هذه البرامج والأجهزة العارضة.

أما عن المقارنة بين الأساليب القديمة والحديثة، فمن أهمها التفاعل والمشاركة؛ فالوسائل الحديثة تزيد من تفاعل الطلاب ومشاركتهم بفضل الأدوات التفاعلية والتقنيات الحديثة، وكذلك الإبداع والتجديد حيث توفر التكنولوجيا الحديثة أدوات أكثر تنوعاً لإبداع الوسائل التعليمية مقارنة بالأساليب التقليدية التي كانت تعتمد على الأدوات اليدوية البسيطة، ناهيك عن سهولة الوصول عبر الإنترنيت وهو يوفر للطلاب إمكانية الوصول إلى المعلومات والموارد التعليمية بشكل أسهل وأسرع من الاعتماد على المكتبات التقليدية، ولا ننسى التكلفة والوقت فالتكنولوجيا قد تكون مكلفة في البداية لكنها توفر الوقت والجهد على المدى الطويل، بينما الوسائل التقليدية كانت تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين من الطلاب والمعلمين، وخلاصة الموضوع إن تطور وسائل النشاطات الطلابية يعكس التحول الكبير في أساليب التعليم من الطرق التقليدية إلى الأساليب الحديثة المعتمدة على التكنولوجيا. هذا التطور ساعد في جعل التعليم أكثر تفاعلاً وإثارة لاهتمام الطلاب، مما يعزز من فعالية العملية التعليمية ويواكب التغيرات السريعة في عالم التكنولوجيا، وبالتالي فإن إثارتك لموضوع الوسائل الطلابية القديمة من خلال تجربتك بمدرسة الأندلس مهم جداً لأنني قارنت بين الماضي والحاضر من خلال هذه التجربة الذاتية لديك، ولعل تجربتك لم تقف عند هذه اللوحة التي رسمها لك عمك عبد الله فقط، فهناك لوحات أخرى ووسائل أخرى مادية قمت بتنفيذها لمعلمين آخرين أليس كذلك؟.

-نعم.. صحيح، لقد قمت بعمل جدول الحصص في مرة من المرات وعلقته على أحد جدران الصف، إضافة إلى قيامي بعمل لوحات أخرى لمواد مختلفة في تلك السنوات الماضية من دراستي في الابتدائية، وكذلك المرحلة المتوسطة.

15/01/1446هـ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى