فاطمة بهجة قلبي
السيد فاضل آل درويش
سمو شخصية الزهراء (ع) ومكانتها العالية تنبع في أحد معالمها مما اتصفت به من معين الفضيلة والكمال، فهي القدوة لمن أراد طريق القرب من الله تعالى وخير شاهد على ذلك ما كانت عليه عبادتها ومناجاتها التي تنضح بمضامين الإخلاص لله تعالى والأنس بذكره والشوق إلى محراب الطاعة، فرأس مال المرء أوراق عمره وأوقاته حيث يستطيع تحويلها إلى محطات عبادية تصنع شخصيته، فالعبادة تخط معالم السمو الأخلاقي وطهارة النفس والترفع عن الرذائل والآفات السلوكية، وعندما يتسلل نور الإيمان وتترسخ في النفس الطمأنينة بذكر الله تعالى ويقظة الضمير يستقبح الفرد حينئذ ارتكاب المعاصي والسير كالأعمى خلف الشهوات المتفلتة، ومحراب الدعاء والمناجاة بحر يفيض بالقيم والمضامين الأخلاقية التي تثبّت النفس على طريق الاستقامة والنزاهة، فهي ليست مجرد لحظات يعيشها المرء مع قراءة مقاطع الدعاء دون وعي ولا إدراك، بل هي تحفة تعريفية بمقام العظمة الإلهية وتعليم بالدور الوظيفي للإنسان الرشيد في هذه الحياة، فيكون إيقاع حركاته مضبوطًا على عقارب البصيرة والحكمة وقوة الإرادة في مواجهة التحديات والمخاطر والصعوبات.
التنوّع والتقسيم في الأوقات بين العلاقة بالله تعالى وإشباع الحاجات الروحية والمادية والترويح عن النفس هو عنوان الفهم الدقيق للاستفادة من الوقت واغتنام الفرص، وهذه حياة مولاتنا الزهراء (ع) المثال الأسمى لتلك الحياة الرائعة والتقسيم الأمثل للأوقات، وحري بنا أن نقتدي بالسيدة الزهراء (ع) فنتنبّه من آفة تضييع الأوقات والالتهاء عن الهدف الأسمى من حياتنا، فتلك الشخصية الرائعة التي نرسمها في مخيلتنا ونرغب في تحصيلها لا يأتي من فراغ، بل تكوينها نتاج وثمرة عمل وسعي واغتنام للأوقات.
وقد كانت حياتها مثالًا وأنموذجًا رائعًا لحياة البساطة والتواضع والزهد في متاع الدنيا الزائل، وضربت مثلًا أسمى في الصبر على شظف العيش، ولننظر إلى حياتنا الأسرية إذا ما طُبّقت فيها معالم التكيف مع الواقع المعيشي بعيدًا عن المثاليات الزائدة، وهذا لا يعني الإعراض عن مباهج الدنيا والعمل على تحصيل مستلزمات الحياة الكريمة، ولكن اللهث خلف الموضات وتراكم الديون لأجل ذلك خطأ اقتصادي تقع فيه بعض الأسر، وقد يتصوّر البعض خطأً ووهمًا بأن مفهوم الزهد هو الإعراض عن مباهج الحياة في الملبس والمطعم والمسكن، فالزاهد هو من يلبس الثياب الرثة البالية ويّعرض عن الإسهام في تطوير وتقدم المجتمع، والحقيقة أن الزهد هو أن لا يمتلكك شيء من المال أو المكانة الاجتماعية للتباهي والاختيال بها، بل هو توظيف جميع الإمكانات والقدرات للعيش الكريم بالاعتدال، مع تطلّع النفس للرصيد الأخروي وتقديم الفاضل من ماله ليبني له هناك مستقرًا عاليًا.