أقلام

صحراء من نوع آخر

راضي الحداد

جمال الربيع في تناغمه، الأشجار تنمو، والزهور تتفتح، والعصافير تغني للحياة، الأنهار تعزف موسيقى الجمال للكون. ولكن عندما يرحل الربيع ويأتي على مهل الخريف ثم حزن يخيم على هذا الكون. فالأشجار تتساقط أوراقها بعدما يصبها الاصفرار، والزهور تذبل وتفقد أريجها، وتقف الطيور عن الغناء. يزداد المشهد أسى إذا كانت الأرض صحراء، حينها عليك أن تتعايش مع حبات الرمال، وتتأقلم على جفاف الصحراء في خريفها. وأمامك خياران، أحدهما أن ترى الجانب المؤلم في قسوة الصحراء وقت الخريف فتعيش الألم وتتغلغل في داخلك الحسرة. أما الخيار الثاني أن تغوص في العمق لتحاول التقاط إشارات الجمال في تلك الصحراء في أيام خريفها. ففي تأمل نجوم السماء راحة للنفس. عليك أن ترى في الشمس نورها وكيف تتطهر الأرض وتغض بصرك عن أشعتها الملتهبة. عليك أن ترى إشراق النور في ساعات الفجر وامتداد الأفق. عليك أن تنعم بالهدوء، وباختصار عليك أن ترى الجزء الآخر من الحقيقة وبهذا تعيش انسجامًا مع الكون في ربيعه وخريفه.

فالحياة قد تكون ربيعًا عندما تجد من تتقاسم معه الحزن والفرح. الربيع يتجسد عندما تجد من تحبهم يآلفونك تمامًا كما يألف النحل زهور الحقل فيتقاسمون معك أفراحهم وتشاركهم أفراحك، تحمل أحزانهم ويتألمون لنزيف جرحك. هم كالزهور أو كأشجار النخيل، يملأ أريجهم المكان والزمان فتنعم في ظلهم. وقد تقسو عليك الحياة فتكون صحراء لا تجد من يصغى إليك أو يضمد جرحك أو حتى ينتشي لفرحتك، حينها أمامك خياران: إما أن تتسربل برداء الحزن وتتغلغل الكآبة في نفسك فلا تحس لا بدفء الشمس ولا بفرحة الطيور. أما الخيار الثاني فعليك أن تستمد الشجاعة من ذاتك وتغوص متأملًا لترى الجانب الآخر من الجمال، فربما خلو حياتك ممن تقاسمهم أفراحك وأحزانك يجعل ألم الفراق أقل حرقة، أو يجعلك تتحرر من قيود الزمان والمكان وتعيش متعة التنقل بين الضفاف لعلك تجد زهرتك.

ما أؤمن به أن السعادة لا تعطى بل تصنع من الذات وإلى الذات، ولكن قد تكون ظاهرة واضحة على السطح فتلمسها سهلة وهذه نعمة .. وربما تحتاج أن تغموص لاستخراجها من العمق فتكون هي اللؤلؤ في عمق البحر.

لا تحزن .. هكذا يعلمنا القرآن ويروي لنا القصص، قصة نبي الله  يوسف عليه السلام  فيها عبر، قصة كليم الله علية السلام فيها أمل، قصة مريم العذراء فيها بشرى.

لم يكن حصار نبينا محمد عليه وآله السلام في الشعب يضعف من عزمه وما تزال الدنيا ترد قول أمامنا علي عليه السلام: فزت ورب الكعبة يقولها والدم ينزف من راسه الشريف

لا تحزن وكن قويًا، فما دام ربك الكريم يشملك برحمته فتأكد أن كل الظروف التي تعيش أو ستعيشها فيها ناحية جمالية وكلها خير. فقط كن مع ربك يكون معك وهذا وحده يعطيك قوة ويخلق فيك طمأنينة النفس وسعادتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى