المخطوطات الأحسائية والعالمية والباحث في التاريخ
طالب البقشي
تشكل المخطوطات ركيزة رئيسة في كثير من مجالات الحياة الماضية والمعاصرة التي ترتبط بمعارف الباحث والمؤرخ والمحقق في الأنساب، وتفتح أفق التعرف على معالم التراث والأثار التاريخية والتحقق من صحة إثبات الأنساب والاستعانة بها في التوثيقات الرسمية لإثبات حقوق ملكية الأفراد من العقارات، وإجراء المعاملات والمبايعات والتأجير في نظام القانون المدني.
وتعد المخطوطات مرجعًا ومصدرًا لفهم التاريخ وأحداثه، ومعرفة الشخصيات وثقافات المجتمعات، والأمم التي سادت في الماضي، ورافدًا للوقوف على المعلومات التاريخية الموثقة بالتواريخ المرصود، ولها اعتبار ومصداقية في التحقيقات والبحوث التاريخية التي يستند عليها الطالب الأكاديمي وطالب العلوم الدينية في تحليل وتصحيح البحوث والتحقيقات التاريخية وإثبات مدى صحة التوثيق التاريخي.
وتصنف المخطوطات بعدة مصنفات بحسب تدوينها واستخدامها، فقد تكتب على أنها رسالة علمية، وتارة كمستند ووثيقه في إثبات الملكية والأوقاف والوصايا والحجيات، وتارة كمرجع وقرينه في تصحيح التحقيقات التاريخية التي يبني عليها الباحث والمؤرخ توثيقاته التراثية والتاريخية.
وساهمت الجهات الرسمية المختصة بدعم هذه الوثائق التاريخية وحفظها ” المخطوطات ” وتشييد المكتبات التي تحتويها ومنها مخطوطات مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ومخطوطات مكتبة الملك فهد الوطنية، ومركز المخطوطات بمكتبة الحرم المكي الشريف، ومخطوطات جامعة الملك سعود، ومخطوطات جامعة الملك فيصل بالأحساء، وغيرها لتسهيل الاطلاع عليها من قبل الباحثين والمؤرخين والمهتمين بإنشاء مواقع إلكترونية على شبكة الأنترنت للوصول إليها وقراءة محتوياتها.
وقد شهدت المخطوطات تحولًا في مسماها القديم، فقد عرف عن أحد مصنفات المخطوطات القديمة أنها تسمى حجة شرعية، ثم أطلق عليها حديثًا مسميات حديثة منها حجة استحكام وصك، واستنتج العلماء أن المخطوطات قد دونت تاريخيًا في الفترة ما بين 568 و645 م.
ويتملك بعض الأهالي في الأحساء قسط وافر من المخطوطات، ومن ضمنها كعينه مخطوط القرآن الكريم بخط السيد هاشم حسن الموسوي في مكتبة الباحث أحمد بن عبدالرحمن الجعفري، ومخطوط مصباح العابدين وهداية المقتدين تأليف الشيخ محمد بن حسين أبي خمسين في عام ١٣٠٣ هجري والموجود في مكتبة الشيخ حسن باقر بوخمسين بالأحساء، ومخطوط الكشكول الفخري لمؤلفه الشيخ محمد حسين بوخمسين والموجود في مكتبة العلامة الشيخ حسن بن باقر بوخمسين، ومخطوط كشف الغطاء عن الحق بالتحقيق لمؤلفه السيد هاشم أحمد الموسوي الأحسائي والموجود في مكتبة الشيخ عيسى الشواف، كما أن بحوزة آل أبي دندن العلمية مخطوطات حفظها الشيخ ياسين بن عبدالله آل أبي دندن والتي منها رسائل مصنفات العلامة أحمد بن محمد بن فهد الحلي الموجود في مكتبة جامعة طهران.
وقد احتوت مكتبة أسرة آل عبد القادر على ما يقارب ستة آلاف مخطوط نادر، ولم تقتصر على مخطوطات إسلامية من فقه وعقيدة وتفسير وحديث، بل حوت على مخطوطات في الفلك والطب والجبر والتاريخ والجغرافيا والأدب وعلوم مختلفة.
ويذكر أن هناك مخطوطات أحسائية نادرة، منها مخطوطات للشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي التي كتب منها أجزاء بخط يده وذلك في عام ٨٩٧ هجري، وعنوان مخطوط ” عوالي وغوالي” والموجود في مكتبة آيا صوفيا في تركيا، ومخطوط ديوان علي بن المقرب العيوني الأحسائي والموجَود في مكتبة الفاتيكان بإيطاليا، ومخطوط ديوان للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي عام ١٢٤١هجري في رثاء آل الرسول الأكرم الموجود في المكتبة الظاهرية.
ومخطوطات التداوي لجميع الأمراض والشكاوى وكاتبه أبو سعيد بن أبراهيم العلائي الموجود في مكتبة الأسد في دمشق، ومخطوط النشر الوردي لأخبار شيخ خالد الكردي تأليف الشيخ أبو بكر بن الشيخ محمد الملا الحنفي في عام 1264هـ والموجودة في مكتبة برلين. وهناك الكثير من المخطوطات التي لا يتسع المقام لذكرها.
ويشار إلى أن طالب علي حسن الأمير قام بإنشاء مركز العلامة الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي للمخطوطات بالهفوف، ويحتوي المركز على أكثر من 1800 وثيقة، وحمل بين طياته وثائق تعود الى عام 890 هجري، وهي وثيقة كتبت وأرسلت إلى علماء نجد من قبل أهالي الأحساء.
وقد أقيم في الأحساء معرض للمخطوطات والوثائق الأحسائية في عام 1445هـ ، الذي أقامته الجمعية التاريخية السعودية بالتعاون مع اللجنة العلمية، ويعـد المعرض الأول من نوعه وبمشاركة أكثر من ثلاثين مشاركًا قدموا مخطوطات في التفسير والحديث والفقه والطب والفلك والتاريخ، والوثائق، بلغ عددها أكثر من ثلاثمائة، فقد تنوعت بين الوثائق الشرعية كالمبايعة، والوصية والأوقاف، ووثائق تجارية من بيع وشراء اللؤلؤ والأحجار الكريمة ومن سداد دين وأجرة.
وتنتشر في العالم مكتبات للمخطوطات ولها مواقع على شبكة الأنترنت ولا يسع وضع روابطها بهذا المقال، حيث توجد مخطوطات في موقع هيئة المكتبات ويمكن الاطلاع على المخطوطات العلمية والإسلامية، وموقع مخطوطات مكتبة الشرق الأوسط الرقمية، وموقع مركز خزانة نفائس المخطوطات الرقمي، وتوجد مخطوطات في مكتبة قطر الرقمية، ومخطوطات الجامعة الأمريكية في بيروت، وفي المكتبة الوطنية الإسبانية أكثر من مائة مخطوط عربي متوافر عبر موقع المكتبة الإلكتروني، إضافة إلى مخطوطتان بالتركية وواحدة بالفارسية وفي مكتبة جامعة توبنكن للمكتبة نحو ٤٠٠ مخطوط عربي ونحو ٣٠٠ مخطوط تركي.
وفي مكتبة برلين الحكومية مكتبة ثرية بالمخطوطات الشرقية، فحسب قسم موقع المكتبة الشرقي الرقمي يوجد ٤٣ ألف مجلد (مخطوط وطبعات حجرية) وربعها تقريبًا باللغة العربية.
وفي مكتبة جامعة بولونية بإيطالية تمت فهرسة ورقمنة مجموعة المخطوطات العربية التي تحتوي عليها المكتبة الجامعية المركزية بمدينة بولونيا والبالغ عددها ٤٥٠ مخطوطة من كتب العالم الإيطالي لويجي مرسيلي وتتعلق المخطوطات المؤلفة باللغة العربية، إضافة إلى بعض النصوص النادرة باللغة التركية بموضوعات متعددة كعلوم الفلك والدين والفقه الإسلامي وعلوم النحو واللغة والعروض والجغرافيا والطب. وعلاوة على ذلك تحتوي هذه المجموعة الثرية على نسخ أصلية من القرآن الكريم، وقواميس السير، وأعمال متفرقة. ويعود تاريخ المخطوطات إلى القرنين الثالث عشر والسابع عشر الميلادي حين جمّعها مرسيلي خلال رحلاته إلى تركيا.
وتعد مكتبة الكونغرس الحالية مصدرًا عالميًا لا مثيل له بمجموع أكثر من 170 مليون مادة تحتوي على أكثر من 39 مليون كتاب مفهرس ومواد مطبوعة أخرى بـ 470 لغة؛ وأكثر من 73 مليون مخطوطة؛ وأكبر مجموعة كتب نادرة في أمريكا الشمالية؛ وأكبر مجموعة في العالم من المواد القانونية والأفلام والخرائط والنوتات الموسيقية والتسجيلات الصوتية.
وتحوي مكتبة الفاتيكان على ثاني أكبر مكتبة مخطوطات في العالم بعدد ٧٥ ألف مخطوطة، كما تحتضن الهند حوالي مائة وخمسين ألف مخطوطة (150,000) وحوالي 40% (أربعين بالمئة) منها هي المخطوطات العربية، أي ما يزيد على خمسة وخمسين ألف (55,000) مخطوط عربي، ويرجع بعضها إلى القرن الأول الهجري، وفي بعض الهيئات العلمية يوجد ما بين ثمانية آلاف إلى حوالي اثني عشر ألف مخطوط عربي.
وتمثل مكتبة المرعشي أكبر مكتبة في إيران والمكتبة الثالثة عالميًا من حيث جودة النسخ النادرة والقديمة للمخطوطات الإسلامية، وتحتوي على المخطوطات التي يبلغ عددها حالياً 31 ألف مخطوط ومن بين هذه المخطوطات مخطوطات نادرة كُتبت بخط مؤلفيها كما تحتوي على تراخيصهم، والبعض منها يعود تأريخها إلى القرن السادس، وتحتوي على حوالي 100 ألف وثيقة خطية قديمة، تشتمل على قرارات وأحكام السلاطين والأمراء والحكام، وإجازات نقل الحديث، ووثائق وإسناد ملكية، كما تحتوي على رسائل بخطوط كبار العلماء والمراجع، رسائل ومكاتبات العلماء مع المؤسس المرعشي.
ومن خلال هذه اللمحة الموجزة عن المخطوطات الأحسائية والعالمية نشير لأهمية احتواء وجمع جميع المخطوطات الأحسائية المتفرقة التي تساهم في حفظ التراث والتاريخ الوطني وضرورة إنشاء مركز للمخطوطات والوثائق الاحسائية القديمة، لكي يكون معلمًا يفتح أبوابه للباحثين في التاريخ والمهتمين بالمخطوطات بما فيها المخطوطات العلمية والمبايعات والوقفيات والوصايا والحجيات الخاصة بمنطقة الأحساء، وإدارة هذه المخطوطات والوثائق بالنسخ والحفظ والأرشفة والفهرسة والرقمنة.