حذر باحثون من أن تخليق “الحياة المرآتية” قد يكون له عواقب كارثية على الحياة وعلى الأرض في المستقبل
المترجم : عدنان أحمد الحاجي
الاختراقات العلمية (الاكتشافات العلمية غير المسبوقة) في مجال البيولوجيا التركيبية قد تؤدي إلى تخليق نسخ مرآتية من الجزيئات الطبيعية (الموجودة في الطبيعة)، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة للحياة على الأرض
صنفُ من الكائنات الحية الدقيقة المخلقة التي أُطلق عليها “الحياة المرآتية ةmirror life،” والتي تعتبر جزيئاتها المكونة لها بمثابة صور مرآتية لنظيراتها من الجزيئات الطبيعية، قد تشكل مخاطر غير مسبوقة على حياة الإنسان والنظم الإيكلوجية (1)، وفقا لورقة (2) تمثل وجهة نظر كبار الخبراء في المجال، بما فيهم فائزان بجائزة نوبل في العلوم. الورقة التي نُشرت في مجلة ساينس Science في 12 ديسمبر 2024، كانت مصحوبة بتقرير مطول (3) يوضح بالتفصيل مخاوف هؤلاء الخبراء بشأن ما ينطوي عليه هذا الاختراق العلمي من عواقب وخيمة على الحياة في المستقبل.
تتعلق الحياة المرآتية بظاهرة واسعة الانتشار في العالم الطبيعي والتي لا يمكن فيها وضع (مطابقة) جزيء أو جسم آخر على جزيء أو جسم آخر بالدقة. على سبيل المثال، لا يمكن ببساطة قلب اليد اليسرى لتنطبق 100% على اليد اليمنى [يمكن إدراك ذلك لو حاولت ان تضع قفازة يد يمنى وتطبقها على قفازة يد يسرى – هذا ما يسمونه اليدوانية أو الكيرالي chirality أو عدم التناظر أو التطابق المرآتي (4)]. عدم التناظر المرآتي هذا موجود ومنتشر في جميع أنحاء العالم الطبيعي.
مجموعات الجزيئات من نفس النوع عادة ما تكون لها نفس التناظر المرآتي. على سبيل المثال، النيوكليوتيدات التي يتكون منها الحمض النووي DNA دائمًا ما تكون يمينية اليدوانية بينما البروتينات مكونة من أحماض أمينية يسارية اليدوانية (4).
اليدوانية (4)، والمعروفة رسميًا بـ عدم التناظر، لها أهمية كبيرة في علم الأحياء لأن التفاعلات بين الجزيئات الحيوية تعتمد على كونها بالشكل المتوقع. على سبيل المثال، لو عكست يدوانية البروتين، فلن تتمكن من التفاعل مع نظيراتها من الجزيئات، مثل المستقبلات الموجودة على الخلايا العصبية. “اعتبرْ ذلك مثل يدين في قفازاتين.” “قفازة اليد اليسرى لن تنطبق 100% على قفازة اليد اليمنى،” كما قالت كاتارزينا أدامالا Katarzyna Adamala، باحث في علم الأحياء التخليقية بجامعة مينيسوتا، والمؤلف المشارك للورقة والتقرير الفني المصاحب للورقة، والذي يقع في حوالي 300 صفحة.
يشعر مؤلفو الورقة بالقلق بشأن البكتيريا المرآتية، وهي أبسط أشكال الحياة كمصداق لمخاوفهم. وذكروا أن القدرة على تخليق بكتيريا مرآتية غير موجودة بعد، وتحتاج “إلى عشر سنوات على الأقل لكي تخلَّق،” لكن التقدم في هذا المجال جار على قدم وساق. وبإمكان الباحثين بالفعل تخليق جزيئات حيوية مرآتية، مثل الأحماض النووية والبروتينات. وفي الوقت نفسه، تم إحراز تقدم نحو تخليق خلايا اصطناعية من مكونات غير مرآتية (غير متناظرة مرآتيًا). في عام 2010، قام باحثون في معهد جيه كريغ فينتر (J. Craig Venter Institute (JCVI)) في كاليفورنيا بوضع حمض نووي مخلق داخل خلية لتخليق أول خلية بجينوم مخلَّق بالكامل.
وستكون هناك حاجة إلى المزيد من الإختراقات العلمية لتخليق حياة مرآتية، ولكن يمكن تحقيقها من خلال استثمار سخي وبذل جهود كبيرة. “نحن لا نعتمد على اختراقات علمية ربما لا ترى النور قط. تقول أدامالا: “بإمكاني أن أضع لك قائمة بالأشياء التي لابد أن تحدث لنتمكن من تخليق خلية مرآتية”. “لم يعد الأمر خيالًا علميًا.” عملت أدامالا سابقًا على تخليق خلايا مرآتية، لكنها تخشى الآن أنه إذا ما خُلِّقت البكتيريا المرآتية، فقد تنطوي العواقب على أضرار بيئية لا يمكن عكسها (إصلاحها) وخسائر في الأرواح.
مؤلفو الورقة من خبراء في علم المناعة، والبيولوجيا التركيبية، وأمراض النباتات، وعلم الأحياء التطوري، والإيكلوجيا، بالإضافة إلى اثنين من الحائزين على جائزة نوبل، وجهوا دعوة إلى باحثين ومشرعين ومراقبين وإلى المجتمع ككل للبدء في مناقشة أفضل السبل للمضي قدمًا نحو تحسين وفهم المخاطر التي حددها المؤلفون والحد منها. وما لم تظهر أدلة على أن الحياة المرآتية لن تشكل مخاطر غير عادية، فإن هؤلاء الخبراء يوصون بعدم إجراء أبحاث تهدف إلى تخليق بكتيريا مرآتية.
بدأ الحماس الأولي لتخليق نسخ مرآتبة من البكتيريا كخيال علمي بسيط. أخذ الباحثون في الاعتبار احتمالات العمل بنسخ مرآتية من بروتينات وجزيئات أخرى تشكل اللبنات الأساسية لمثل هذا الكائن الحي. أحد الأمثلة على ذلك يتعلق بالأدوية التي يجب حقنها مرات متكررة وبشكل دوري لأن العمليات البيولوجية تؤدي إلى تحلل جزيئاتها. هذه النسخ المرآتية من الجزيئات البيولوجية ليس من شأنها أن تتفاعل مع هذه الآليات الجزيئية [ولن تتحلل]، لذا فإن الدواء المنتج بجزيئات مرآتية يمكن أن يكون له تأثيرات طويلة الأمد.
الكثير من آليات الجهاز المناعي تعتمد أيضًا على البداوية (عدم التناظر المرآتي). على سبيل المثال، الخلايا التائية المسؤولة عن التعرف على الأجسام الأجنبية (التي تغزو الحسم) قد تفشل في تكوين رابطة مع هذه الأجسام الأجنبية التي لها بدوانية لا تتلاءم مع يداويتها. لذلك هذه العلاجات أيضًا قد تتجنب إثارة استجابة مناعية عند المرضى [مما يعني الاصابة بالمرض]. يقول المؤلف المشارك جون غلاس John Glass، باحث في علم الأحياء التخليقي في معهد جيه كريغ فينتر: “لن يتحلل الببتيد المرآتي بسهولة، ولهذا السبب قد يكون علاجًا رائعًا.” “لا نرى أي سبب على الإطلاق لمنع محاولة تخليق مثل هذا الببتيد.”
يقول غلاس إن الكثير من المؤلفين اعتقدوا في البداية أن البكتيريا المرآتية لن تعيش خارج المختبر، نظرًا لنقص العناصر الغذائية المرآتية، لكن التقرير خلص إلى أن هناك ما يكفي من العناصر الغذائية التي من شأنها أن تغذي البكتيريا المرآتية للحفاظ على بقائها. يناقش الباحثون تدابير السلامة الحيوية المحتملة، مثل تخليق فيروسات مرآتية ملتهمة التي يمكن للبكتيريا (5) أن تصيب البكتيريا المرآتية بالعدوى وتقتلها، لكنهم استنتجوا أنه من غير المرجح أن تمثل دفاعًا كافيًا. يقول غلاس: “لم يتمكن أي من [المؤلفين] من التوصل إلى إجراء مضاد نعتقد أنه سيكون فعالاً بما يكفي لإنقاذ الغلاف الحيوي (البيوسفير) (6) من هذه الكائنات الحية.”
لا يتفق الجميع على أن البكتيريا المرآتية تشكل مثل هذه المخاطر الهائلة. “أرى أن البكتيريا المرآتية ستكون في وضع تنافسي غير مواتٍ ولن تتمكن من البقاء على قيد الحياة بشكل جيد،” يقول أندرو إلينغتون Andrew Ellington، باحث في علم الأحياء الجزيئية بجامعة تكساس في أوستن، والذي يعمل على تطوير كائنات دقيقة مخلقة. وهو غير مقتنع بأن دق جرس إنذار مسبق إلى هذا الحد بشأن أي تهديد قد تمثله هذه التكنلوجيا في المستقبل، بل هو مقتنع بأن وجود هذا النوع من التكنولوجيا، التي يمكن استخدامها بشكل مباشر لتخليق هذه البكتيريا المرآتية، و-ود مناسب. يقول إلينغتون: “إن هذا النوع من الحظر على هذه التكنولوجيا كالحظر على تكنلوجيا الترانزستور بسبب مخاوف من ارتكاب جرائم إلكترونية قد تحدث بعد 30 عامًا من الآن.” وهو يشعر أيضًا بالقلق من أن الحكومات والجهات الرقابية قدذلا تستجيب لهذه التكنولوجيا كما توقع المؤلفون، مما قد يؤدي إلى خنق الأبحاث المفيدة في مهدها. ويقول: “أنا لست قلقًا بشكل خاص بشأن تهديد مجهول في الغالب قد يتحقق بعد 30 سنة من الآن مقابل ما يمكن الاستفادة من هذه التكنلوجيا في الوقت الحاضر.”
ورغم أن هذه المخاطر نفسها قد تكون غير مؤكدة، فإن ما هو مؤكد هو أن أي تهديد يبقى مستبعدًا. تقول سارة كارتر، مستشارة السياسة العلمية للسلامة الحيوية في كاليفورنيا ومحللة سياسات سابقة في معهد جيه كريغ فينتر، والتي تعمل في مجال الأمن البيولوجي والآثار المترتبة على سياسات التكنلوجيا البيولوجية الناشئة: “لم تتوفر هذه التكنولوجيا بعد، لذا من الصعب تحديد سيناريوهات المخاطر المترتبة عليها، لكن هذه الورقة البحثية يمكن أن تبدأ تلك المناقشة.” “لذا فإنني أشيد بهذه المجموعة البحثية لتطلعها إلى المستقبل ولفت الانتباه إلى هذه التكنلوجيا الحيوية.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظام_بيئي
2- https://www.science.org/doi/10.1126/science.ads9158
3- https://purl.stanford.edu/cv716pj4036
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/يدوية_(كيمياء)
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/عاثية
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/محيط_حيوي
المصدر الرئيس
https://www.scientificamerican.com/article/creating-mirror-life-could-be-disastrous-scientists-warn/