أقلام

قضايا فلسفية في الذكاء الاصطناعي

عبد الله حسين اليوسف

مع كتاب الذكاء الاصطناعي، للمؤلف د. عادل عبد النور بن عبد النور، الطبعة: 1426هــ /2005 م.

من الصعب أن نتجاهل الفلسفة ما دامت لمعظم الأشياء معاني خفية نحتاج لمعرفتها. وميدان الذكاء الاصطناعي يعج بالأسئلة الفلسفية، ليس فقط لأن هذا الميدان خطف الأنظار وحاز اهتمام الكثير. ولا لأنه كان نتاج ميادين مختلفة ضمت علم النفس والاجتماع والفلسفة والرياضيات والهندسة، وغيرها. ولكن بدرجة أهم، لأن هذا الميدان يتعامل مع العقل ووظائفه، ويتعامل مع ظاهرة الذكاء. وكل هذه الأشياء لم تحسم بعد وما يزال يحدوها الكثير من الغموض وأسئلة عديدة حولها ما تزال تنتظر الإجابة.

والقضايا الفلسفية في هذا الميدان عديدة ومناقشتها لا تقل أهمية عن فروع الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته ونجاحاته. والتطرق إلى هذه القضايا يدفع ميدان الذكاء الاصطناعي إلى الأمام لأنه البداية لرفع الغموض عن العديد من الأمور المتعلقة بالميدان. من الصعب أن نسلط الضوء على كل القضايا المطروحة ولكننا سنحاول طرح أهمها ومنها: التفكير، والبديهة، والعاطفة، والإبداع، والوعي.

أول القضايا التي ظهرت هي قضية التفكير وهل بإمكان الحاسوب اكتساب قدرة التفكير، وكان الذكاء الاصطناعي آنذاك في بداية ظهوره. لكن ببداية النجاحات ظهرت قضايا أخرى أكثر تعقيدًا وبدأ العديد من الفلاسفة والمهتمين من غيرهم إبداء آرائهم في مواضيع مثل الإبداع والبديهة، والوعي، والعاطفة. وعلى الرغم من الاطروحات الكثيرة والنقاشات الطويلة، ما تزال كل هذه المواضيع دون حسم وقد تبقى كذلك لمدة طويلة.

مستقبل الذكاء الاصطناعي:

لقد نبع الذكاء الاصطناعي نتيجة جهود كبيرة وفي ميادين علمية متعددة. وعندما بدأت نتائج هذه الجهود في الظهور أصبح جليًا أن تأثيراته تعدت الميدان العلمي لتمس جانبًا كبيرًا من مجالات الحياة اليومية. والتسارع الواضح الذي نشهده في تصنيع تقنية جديدة وذكية بدأ يطرح موضوعًا غاية في الخطورة وهو موضوع الجانب الأخلاقي والمعنوي ومدى تأثير التقنية الجديدة في مستقبل البشر.

وتجاه هذا التطور الجديد انقسم المهتمون بالموضوع إلى قسمين: قسم يرى أن هذه الآلات الذكية ستصل في النهاية إلى تحطيم حياة الإنسان والسيطرة على العالم. وتصل إلى مرحلة من التطور يصعب معها على الإنسان التحكم فيها. وقسم آخر لا يرى في الأمر خطورة. بل بالعكس يتطلع إلى مستقبل فيه من الرفاهية الشيء الكثير لما ستوفره الآلات الذكية من يسر في كثير من مجالات الحياة. الجدير بالذكر هو أن عددًا كبيرًا من عناصر القسم الأول هم من صانعي هذه الآلات والعاملين في المجال.

وفيما يلي سنطرح وجهتي النظر ونترك للقارئ الحكم، مع الإشارة إلى أن الموضوع معقد جدًا رغم بساطته الظاهرية ويحتاج إلى تفكير عميق ودراسة متأنية.

الذكاء الاصطناعي تقنية الدمار الشامل:

كانت الآلات الذكية والروبوتات العبقرية موضوعًا مسليًا لأفلام الخيال العلمي، ولم يكن لها هدف سوى تقديم أرباح كبيرة في دور السينما من خلال إطلاق العنان للخيال البشري. ولكن اليوم وبمتابعة ما يجري في هذا الميدان بات تحقيق هذه الآلات غير بعيد والمحاولات الأولى في هذا الطريق كللت بالنجاح. وقريبًا قد يصبح الخيال العلمي واقعًا علميًا. فإذا ما تواصل هذا النجاح سيجابه العالم مخاطر كثيرة في هذا القرن قد تؤدي لأن يصبح الإنسان البشري عبدًا يخدم الإنسان الآلي.

فإذا ما نجح العلماء في تطوير آلات ذكية جدًا، سيكون لنا خياران لا ثالث لهما. أما الخيار الأول فهو أن نترك للآلة حرية اتخاذ القرار منذ البداية وبهذا نفقد السيطرة على مجريات الأمور. ولا أحد يدري في هذه الحالة إلى أين ستسير بنا الآلات. فهي التي تخطط ونحن ننفذ دون وعي أو تفكير وبهذا الخيار يصبح الإنسان دون إنسانية. وقد يرى البعض أن هذا الخيار غاية في السذاجة فليس هناك إنسان بالغباء الكافي الذي يجعله يسلم أمره لآلة حتى وإن كانت غاية في الذكاء. إن الأمر ليس بهذه البساطة.

ففي المستقبل غير البعيد، سيصبح العالم في غاية التعقيد إلى درجة يصعب على الإنسان مجاراة الأمور ويستسهل على نفسه الاستعانة بالآلة والقبول بقراراتها. وشيئًا فشيئًا يكون لها القرار الأول والأخير ويزيد العالم تعقيدًا. وفي ذلك الوقت يصبح الاستغناء عن الآلة ضربًا من الانتحار. ولو التفتنا قليلًا إلى الوراء قبل التلفاز، والسيارة، والمكيف والهاتف، والثلاجة، وغيرها. وقارننا تلك الأيام باليوم سنرى مدى تعلقنا بالآلة على الرغم من أن آلة اليوم لا تملك من الذكاء شيئًا، ولا تصنع القرار. آلة المستقبل القريب أكثر إغراء وأكثر قوة.

أما الخيار الثاني فهو ألا نسلم مقاليد الأمور للآلة ويكون للإنسان السيطرة على عدد من الآلات الذكية التي تخصه مثل الآلات المنزلية والسيارة، والحاسوب وغيرها. في هذه الحالة ستكون الآلات الأكبر والأقدر والأذكى عند عدد صغير من الناس وهم النخبة. وهنا – رضينا أم أبينا – ستكون هذه النخبة – على خُلق كانت أم لم تكن تملك موازين القوى وتتحكم في مصير العامة بما تملكه من تقنية غاية في التعقيد والذكاء. ويتحول الناس إلى خدم يخدمون أصحاب القوة وهم قلة. ولما في طبيعة البشر من أنانية وطمع وحب للذات ليس من الصعب أن نتخيل العواقب الوخيمة لهذه الطبقية التكنولوجية.

إذن، في صورة الوصول للآلات الذكية التي سعى إلـيـهـا العاملون في ميدان الذكاء الاصطناعي سيكون أمام البشرية خياران أحلاهما أمر من المر. فالأمر هنا يتعلق بمستقبل البشرية ويجب أن يؤخذ مأخذ الجد فإمكانية أن يتفوق الرجل الآلي على الإنسان أمر في غاية الخطورة ولا يمكن تجاهله حتى وإن كان مستبعدًا. وما من إنسان في يومنا هذا قادر على الجزم بالاستحالة. وما دامت الإمكانية موجودة فهناك خطر محدق.

سيكون من الصعب على الشخص العادي أن يحس بالخطورة والدليل على ذلك أنه رغم تسارع التطورات في ميدان الذكاء الاصطناعي قليل مَنْ تحدث عن المخاطر التي تنتظرنا في المستقبل وهذا أمر طبيعي لسببين مهمين أولهما: إن الإنسان العادي يتعامل مع هذه الأشياء من بعيد ويعتبر نفسه غير مسؤول عن تفاصيلها وآثارها ومستقبلها ولا يشغل نفسه بذلك. فلو أخذنا مثلًا الهندسة الوراثية وتعاملها مع أقرب الأشياء للإنسان ألا وهو الغذاء، فقد جاء هذا الميدان ليحدث ثورة في الميدان الزراعي بتطوير عشرات الآلاف من المحاصيل الجديدة بالتلاعب بجينات المحاصيل الطبيعية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى