فحيح الأفاعي
السيد فاضل آل درويش
ورد عن الإمام الباقر (ع): سلاح اللئام قبيح الكلام )(بحار الأنوار ج ٧٥ ص ١٨٥).
هناك من اجتمعت فيه صفات الشر والعدوانية ويقيم علاقاته وفق المنفعة الذاتية بعيدًا عن سور القيم الإنسانية النبيلة، فليس هناك من أمر تشريعي أو قانوني يمكن أن يردعه عن الأفعال المعيبة والقبيحة، فكل الوسائل والأساليب مشروعة ونقاط قوة وأسلحة يستخدمها في ميدان العلاقات الاجتماعية، فما يهمّه تحقيق المكاسب والانتصار الوهمي بأي حيلة أو منطق يتفوّه به، فاللئيم إنسان متفلّت لا تحكمه أية ضابطة أو خلق أو عرف بل يفتح أبواب الشر على مصراعيه سواء على مستوى تخاطبه وتحاوره أو تصرفاته وسلوكياته، وفي المقابل فإن الإنسان العاقل يتصرف وفق المنطق والقيم فيترفّع عن كل ما يشينه ويلحق المبغوضية والانتقاص له.
مفهوم الحرية الشخصية يأخذ عند البعض تمييعًا وفضفاضية وتعويمًا بحيث يتسع لكل فعل وتصرف، فلا يحاسب ولا يجازى عليه لأنه في نطاق حقه الشخصي في التصرف كما يحلو له وهذا خطأ، فالحرية الشخصية لا تعني التفلت والفوضى والتطاول على الآخرين بأي حال من الأحوال، بل هي تحكيم لمبدأ الحقوق واحترامها والتعامل بروح الإنسانية الجميلة والتوقف عند حاجز التعدّي على الآخر بأي شكل من الأشكال المادية والمعنوية، فاحترام الآخرين في أفكارهم بحدود اللياقة والاحترام يحفظ السلم والأمان المجتمعي.
ولا يتصورنّ أحد بأن التجاوز والانخراط في الأساليب العدوانية المعيبة وقذف الغير بأقبح الكلمات والافتراءات أمر سهل ولا مؤاخذة عليه، وحتى النقد وتقديم وجهة نظر مخالفة للآخر لها ضوابطها التي تبقي الجميع تحت نظر الاحترام وتجنب الغمز والضرب تحت الحزام كما يُقال، فاللئيم وأشباهه يتصور تحقيق المكانة الملفتة للأنظار والشهرة في الوسط الاجتماعي تتحقق بالحوارات الساخنة وقذف الكلمات النارية المخزية، إذ الطرف الآخر المحترم لن يقابل إساءته إلا بتجاهلها والمرور عليها مرور المرام وعدم النزول إلى مستواه الدنيء والتراشق معه بالألفاظ النابية، ولعلنا نجد في وسائل التواصل الاجتماعي ما يشيّب الرأس من الانحدار إلى أقذع الكلمات وأقبحها كوسيلة للدفاع أو الهجوم على الشخص المقابل، متناسين أن مدرسة الأخلاق والقيم والرقي في التخاطب تفرضها الفطرة السليمة والتوجيهات الدينية، وفي مقابل هؤلاء الذين يتصدّرون قوائم السوء وقلة الأدب والاحترام، نجد من يعرف قيمة الكلمة ويختار المناسب منها في تخاطبه وتحاوره، فالكلمة ذات حدين فكما أنها تجرح وتسيء كذلك منها ما يبلسم الآلام ويبعث الأمل والطمأنينة، فالكلمة عنوان وهوية الإنسان ومعرّف دقيق بشخصيته ومكنونات نفسه وطريقة تفكيره، وعلينا أن نبعث برسائل إيجابية في محيطنا الاجتماعي، ومخطئ من يتوهّم بأن الكلمة الحادة والجارحة محط اقتدار في علاقاته وتجلب له الاحترام المزعوم، فشر الناس من خافه الناس لقبيح ما يتفوّه به، فالتخاطب والحوار المؤدّب والهاديء ينم عن تربية وبيئة ونظرة عقلائية للآخرين، وأما أصحاب الردود المسيئة والكلمات البذيئة فهي أسلحة سترتدّ على صاحبها بالنفور منه وتجنب التخاطب معه.