أقلام

طنين مزعج

السيد فاضل آل درويش

ورد عن الإمام علي الهادي (ع): العتاب مفتاح الثقال)(بحار الأنوار ج ٧٨ ص ٣٦٩).

وهل المعاتبة وإظهار الانزعاج من كلمة أو تصرف من صديق إلا دلالة محبة ورغبة صادقة في استمرار الانسجام والتفاهم بينهما؟

التغافل وغض النظر عن الأمور الصغيرة، وتقدير ظروف الآخر وتقبّل اعتذاره يسهم في تعزيز العلاقة ويقوي الانسجام بينهما وتجاوز الأخطاء البسيطة وغير المقصودة، وخصوصًا أن العتاب بشكل مستمر يؤذي الطرف الآخر في مشاعره ويفقده الثقة باستمرار علاقتهما بهذه الصورة، مع ما يصاحب العتاب من كلمات لا تتصف بالرقة واللطف وتُعدّ تجاوزًا سافرًا على شخصيته، وليس معنى ذلك أن الإشارة المهذّبة لموطن زلل وبشكل غير مزعج قطعًا لا تؤثر في مسيرة علاقتهما، وأما تلك الأسطوانة المتكررة بالتوبيخ واللوم والتقريع فهي تتجاوز مرحلة النقد والنصيحة المحببة.

هناك خلط في المصطلحات يقع فيه البعض ويؤدي إلى تشوش في الفكر، فالعتاب يختلف تمامًا عن النصيحة والنقد، فالنصيحة أمر محبّب وتدوم معه العلاقات المنسجمة، حيث يقدّم الناصح المخلص توجيهًا بمورد خلل وخطأ أو تقصير يمارسه الطرف الآخر فيجري التنبيه عليه، بينما العتاب اقتياد الطرف الآخر نحو أحادية التفكير والتصوّر بنحو لا يسمح لوجود التعددية ولا احترام الرأي الآخر، وهذا يعني تدخلًا سافرًا في خصوصيات الآخر ويرسل إليه رسائل هدامة تخرب علاقتهما في المستقبل، فالتدقيق على كل صغيرة وكبيرة والتوقف عند كل نقطة يشعر الآخر بأن شخصيته وتصرفاته لا تحظى بالمقبولية، فالعتاب يفتح الباب نحو التثاقل في النفوس والشعور بالاستيحاش وعدم الراحة في التواصل مع الطرف الآخر وهذا ما لا يقبله أي أحد، فالنصيحة تقديم فكرة وومضة تنوّر طريق الآخر بأدب واحترام، بينما العتاب فرض الآخر نفسه واقتحامه خصوصيات الغير وكأنه وصي عليه، فلا يسمح لتفكيرهما أن يفترق في بعض المحطات بل يريده أن يكون نسخة أخرى منه وهذا خلاصة معاتبته المستمرة، والطرف الآخر لا يمكنه أن يتقبّل فكرة أن يكون الشخص الضعيف الذي لا يمكنه أن يتخذ خطوة أو قرارًا دون مراجعته، ومع الشعور بعدم أهميته عنده سيلجأ بالتأكيد بعد فترة إلى الانسحاب الهاديء دون تعكير صفو علاقتهما، خصوصًا وهو يجد اتساع فجوة الخلاف والاهتمام الوجداني به.

النقد والنصيحة يكون في تلك المواقف التي يرى فيه الصديق قد يقع في خطأ كبير بسبب طريقة تفكيره أو تصرفاته، وأما العتاب فهو يدفع علاقتهما نحو التوتر والجفاف العاطفي، فالاستمرار في المعاتبة والتدقيق على كل صغيرة وكبيرة يفتح المجال والطريق نحو التثاقل أي المبغوضية والتنافر بين النفوس في نهاية الأمر، حيث المعاتبة تضع الطرف الآخر وكأنه في قفص الاتهام وعليه أن يقدم عريضة فيها بيان للمبررات والعوامل المؤدية لما ارتكبه من خطأ كالكلمة غير المقصودة والتأخر في الموعد بسبب ظروف معينة وهكذا، وهذا ما يحوّل العلاقة إلى جحيم لا يطاق واستثقال حقيقي للاستمرار في هذه العلاقة بهذه الطريقة!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى