التربية
عبد الله حسين اليوسف
قراءة في كتاب مقدمة في التربية (مدخل إلى التربية)، للمؤلف / الدكتور إبراهيم ناصر، الطبعة الخامسة:1432هــ /2011م
جزء من المقدمة:
الكتاب الذي بين أيديكم، طلبة وقراء، وضع من أجل تسهيل البحث والتنقيب عن المعلومات، والأفكار التربوية الضرورية، والأساسية، في كل دراسة تربوية. وإنني إذ أعتبر هذا العمل خطوة على طريق المعرفة، فإنني أوّلًا وقبل كل شيء، إنسان غير منزه عن الأخطاء، لذا أكون شاكرًا لكل من يدلني على نقص، أو مزلق في هذا الكتاب، وأعد بأن أتقبل كل ملاحظة علمية موضوعية، تضيف أساسًا صلبًا لهذا الموضوع.
منذ خلق الإنسان على وجه البسيطة:
وهو يقوم بتدريب أبنائه على التعايش مع البيئة الطبيعية، والتكيف مع الجماعة الذين يعيش بينهم، وعملية التدريب هذه تهدف إلى أن يعيش الفرد الجديد الوافد إلى الحياة، عيشة مناسبة منسجمة مع من حوله، وبالتالي يبقى هذا الجيل محتفظًا بتراث الآباء والأجداد، فيتحقق بقاء الجنس البشري، ويستمر على هذه الأرض، وتبقى القيم، والنظم التي يريدها، ومن ثم يتحقق الهدف الرئيس لكل جماعة وهو استمرارية بقاء ثقافتها.
ومنذ أن بدأ الناس يعيشون في جماعات، تجمعهم قيم ونظم ومعتقدات وأسلوب حياة معين، صار لكل منهم هدف في الإبقاء على أسلوبهم ونظامهم وطريقة معيشتهم، ومن هنا أصبح لكل مجموعة منهم طريقتها الخاصة في تدريب أجيالها الجديدة على الحياة، فاختلفت الآراء حول مفهوم عملية التربية، أو عملية التدريب والتكيف مع الجماعة والمجتمع المحيط، بما فيه من عناصر طبيعية واجتماعية وتراث متراكم على مر الأجيال، وكان الاختلاف في مفهوم العملية التربوية وطرقها ووسائلها اختلافًا كبيرًا بين الأمم والشعوب، وذلك لاتساع ذلك المفهوم وشموله، وتشعب مباحثه وتعدد وجهات النظر فيه، وكثرة المتكلمين عنه، فجاءت معاني هذا المفهوم مختلفة متنوعة باختلاف وتنوع المتحدثين، ونظم حياتهم، وعقائدهم، ومبادئهم، وآمالهم، وأمانيهم، وأهدافهم.
تعريفات التربية:
تعرف كلمة تربية لغويًا بأنها: مصدر الفعل ربا يربو بمعنى: نما ينمو، ورَبَّ الولد؛ أي: أصلحه، وتولى أمره وساسة، ورعاه، وأنشأه.
أما معنى التربية اصطلاحًا:
فهو التنشئة والتنمية، وهناك تعريفات كثيرة للتربية اختلفت باختلاف نظرة المربين وفلسفتهم في الحياة، ومعتقداتهم التي يدينون بها، وقد وجد منذ القدم وإلى أيامنا هذه، أنه من الصعب الاتفاق على نوع واحد من التربية تكون صالحة الجميع البشر، وفي جميع المجتمعات، وتحت كل الأنظمة، وفي ظل كل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورغم ذلك كان الحديث عن التربية ولا يزال يتناول معنى التطور والتقدم والترقي والزيادة والكمال والنمو والتنمية والتنشئة والأفضل والأحسن والخير … إلخ.
علما بأن مصطلح التربية لم يظهر في المعاجم إلا في منتصف القرن السادس عشر الميلادي وقد اشتق من اللغة اللاتينية؛ ليدل على تربية الحيوانات والنباتات بمعنى التدريب والرعاية، ثم انتقل المعنى إلى التهذيب.
ورغم اختلاف هذه التعاريف إلا أنها جميعًا تقتصر على الجنس البشري، وتعد العملية التربوية فعلًا يمارسه كائن حي في كائن حي آخر، وغالبًا ما يكون إنسانًا راشدًا في صغير، أو جيلًا بالغًا ناضجًا في جيل ناشىء، وإنها جميعًا تقرّ بأن التربية عملية موجهة نحو هدف ينبغي بلوغه، علمًا بأن ذلك الهدف يحدد له غاية تهم المجموعة التي تقوم بالإشراف على العملية التربوية.
فالتربية إذن عملية تطبيع مع الجماعة، وعملية تعايش مع الثقافة، وهي بالتالي حياة كاملة في مجتمع معين، وتحت ظروف معينة، وفي ظل حكم معين، وتمشيًا مع نظام محدد، وخضوعًا لمعتقد أو عقيدة ثابتة.
إنها عملية تشكيل وصقل للإنسان، وهي في النهاية النتاج الذي تشكل به أنفسنا، ونصبح بالتالي كما نحن عليه، (فتربيتي هي أنا، وهي حياتي).
خصائص التربية:
هناك خصائص للتربية تنفرد ببعضها وتشترك في أخرى مع علوم غيرها، ومن هذه الخصائص:
1 – أن التربية أصبحت عملية إنسانية خاصة بالإنسان دون غيره من المخلوقات.
2 – أن العملية التربوية عملية شاملة إذ أنها تشمل النواحي الإنسانية كافة الجسمية والعقلية، والانفعالية، والخلقية، والاجتماعية والثقافية، والسياسية، والاقتصادية.
3- أنها عملية تكاملية؛ بمعنى أن تربية ناحية من النواحي تؤثر في ناحية أخرى وتكملها من أجل كمال نمو الإنسان.
4- أنها عملية هادفة؛ أي أنها تهدف إلى توجيه النشء لتصل به إلى أفضل الحالات من المواطنة الصالحة.
5 – أنها عملية عامة؛ بمعنى أن لكل من الأسرة والمدرسة والمجتمع بمؤسساته المختلفة دورًا في العملية التربوية، وتكمل كل من هذه الجهات عمل الجهة الأخرى.
ضرورة التربية:
التربية عملية ضرورية لكل من الفرد والمجتمع معًا، فضرورتها للإنسان الفرد تكون للمحافظة على جنسه، وتوجيه غرائزه، وتنظيم عواطفه، وتنمية ميوله، بما يتناسب وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، فالتربية إذن عملية ضرورية لمواجهة الحياة ومتطلباتها، وتنظيم السلوكات العامة في المجتمع، من أجل العيش بين الجماعة عيشة ملائمة.
وتظهر ضرورة التربية للفرد فيما يلي:
1 – إن التراث لا ينتقل من جيل إلى جيل بالوراثة؛ بمعنى أن ثقافة المجتمع، وما تحويه من نظم، وعقائد، وتقاليد، وعادات وقيم، وأنماط سلوكية، لا تورث كما يورث لون العينين والبشرة، ولكنها تكتسب نتيجة للعيش بين الجماعة.
2- إن الطفل الوليد بحاجة إلى أشياء كثيرة، وخاصة الرعاية والعناية منذ ولادته ولفترة طويلة؛ لأن الطفولة الإنسانية بطبيعتها طويلة، ويكون الطفل في هذه المرحلة كثير الاتكال على غيره من البالغين، وما دامت التربية عملية يكتسبها الصغار من الكبار، أو الأفراد من المجتمع فإن ضرورتها للطفل الصغير تكون ملحة ولازمة، كي يتعايش الطفل مع مجتمعه.
3-إن الحياة البشرية كثيرة التعقيد والتبدل، وتحتاج إلى إضافة وتطوير، وهذه العملية يقوم بها الكبار من أجل تكيف الصغار مع الحياة المحيطة، وتمشيا مع متطلبات العصور على مر الأيام.
أما حاجة المجتمع للتربية فتظهر فيما يلي:
1- الاحتفاظ بالتراث الثقافي: فإذا أراد المجتمع حفظ تراثه الثقافي من الضياع، فإن الطريق إلى ذلك يكون بنقل هذا التراث إلى الأجيال الناشئة بواسطة التربية.
2- تعزيز التراث الثقافي: فبالرغم من أن محتويات هذا التراث تكون غزيرة وواسعة، إلا أنها لا يمكن أن تخلو من بعض العيوب. وعلى كل جيل أن ينقي تراثه الثقافي من العيوب التي علقت به، أو عجز الجيل القديم عن إصلاحها، والتربية هنا هي القادرة على إصلاح هذا التراث من عيوبه القديمة. وبهذا الإصلاح مع المحافظة على الأصول نعزز التراث الثقافي.
أهداف التربية:
عندما يقصد الإنسان الوصول إلى غاية معينة ومحددة، يقال: إنه يستهدف هدفًا. وهذا الهدف يصله الإنسان عندما يتبصر في الظروف المحيطة، ويفكر في نتائج سلوكه، وينظر فيما يعينه على السير في الطريق إلى غايته المنشودة، ويفكر في نتائج هذا السلوك، سلبًا وإيجابًا، ومن ثم يرسم خطته لتحقيق مقصوده، وعندها يصل إلى غايته، ويحقق هدفه.
وتحديد الهدف شيء مهم في العملية التربوية؛ لأن الفرد عندما يسعى إلى هدف محدد ومعين، ويقصد الطريق الصحيح للوصول لهذه الغاية التي يرجوها، فإنه يوجه كافة أنشطته، وقدراته، ويستحث استعداداته للوصول لمبتغاه. ولهذا فإنه لا بد من تحديد الهدف دومًا في أي عمل يقوم به الإنسان؛ لأن الوصول إلى الهدف يعد من أهم المعايير لتقييم العمل.
ومن وجهة النظر التربوية، لا بد من تحديد الأهداف، ومع أن في ذلك صعوبة كبيرة، فلا بد لكل أمة من الأمم من تحديد أهدافها التربوية المرجوة. غير أن هناك أهدافًا عامة، يمكن أن ينطوي تحتها أهداف فرعية أو أهداف تهم أمة دون غيرها. والأهداف التربوية بمجموعها تدعو إلى الأفضل دومًا، ولهذا يمكن القول: إن هناك مواصفات لا بد منها للأهداف التربوية كي تؤدي الغرض الذي وضعت من أجله.
لهذا فإنه من الواجب أن يكون الهدف التربوي:
1- عامًا لكل الناس.
2- شاملًا جوانب الحياة جميعا.
3- مؤديًا إلى التوازن والتوافق، وعدم التعارض بين الجوانب المختلفة.
4- مرنًا، مسايرًا لاختلاف الظروف والأحوال والعصور والأقطار.
5- صالحًا للبقاء والدوام والاستمرار والرسوخ.
7-غير متجاف عن الحقائق الأخرى ولا متعارض مع الحق.
8-خصبًا تتولد عنه الثمرات الطيبة.
9-متوافقًا غير متصادم مع المصالح المختلفة، فيسد الحاجات جميعها ويواجه كل الحالات التي تعرض لنا.
10- واضحًا في الفهم؛ يقبله ويفهمه المربي والطالب جميعًا.
11- واقعيًا ميسرًا في التطبيق.
12- مؤثرًا في سلوك المربي والطالب، وهما يسيران في إنجاز العملية التربوية.