أقلام

هل هناك معيار عالمي موحد لقياس نمو الطفل؟

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

بقلم الدكتور صموئيل فوربس، أستاذ مشارك في قسم علم النفس، جامعة دورهام

بالنسبة لأولياء الأمور ومقدمي الرعاية والمعلمين، غالبًا ما يستهويهم أن يبنوا تفكيرهم بخصوص نمو الطفل حول ما يفهمونه على أنه نمو “طبيعي” [النمو هنا هو الذي يتمثل في التغيرات البيولوجية والنفسية والإنفعالية التي يخضع لها الإنسان من ولادته وحتى نهاية مرحلة مراهقته (1)]. في كثير من الأحيان نبني هذا التفكير دون تفكير، فنصف الطفل بأنه “جيد (يبلو بلاءً حسنًا)” في أحد المواضيع و”متخلف” في موضوع آخر.

كلما أجرينا هذا النوع من المقارنة، كلما كان لدينا نوع من القياس العقلي (الذهني) أو المسطرة الذهنية: على سبيل المثال، لا بد أن يكون الطفل قادرًا على تسلق الأثاث عند بلوغه الثانية من عمره. وبنحو متصاعد، يجادل الباحثون في مجال نمو الطفل بأن الشيء نفسه يحدث في أبحاث نمو الطفل (2) – وهي الدراسات التي تُعنى بكيفية ظهور سلوكيات وقدرات مثل تطور اللغة.

الكثير من الدراسات التي تزعم أنها تبحث في نمو الطفل، سواء بشكل ضمني أم بشكل صريح، تدعي أن نتائجها شمولية وتنطبق على كل الأطفال أينما كانوا.

يمكن أن يكون هناك أسباب كثيرة لذلك الإدعاء. في بعض الأحيان قد يكون هناك مسوغات للإفراط في الثناء على استنتاجات الدراسات، وفي بعض الأحيان قد يكون ذلك بسبب الطريقة التي يفسر بها القراء أو وسائل التواصل والإعلام النتائج. والمحصلة هي أن ما وجدته الدراسات في إحدى مجموعات الأطفال يؤخذ بعد ذلك كمعيار يتم بمقتضاه مقارنة نتائج الدراسات المستقبلية.

معظم الأبحاث حول كيفية نمو الأطفال تأتي من دراسات أجريت على أطفال من الدول الغربية الأكثر ثراء، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا وألمانيا وفرنسا (3). من المحتمل جدًا أنك لو سمعت عن مراحل نمو الطفل، فإنها قد طُورت في إحدى هذه الدول.

ولكن هل من الإنصاف عمل هذه المقارنات؟ أحد الأشياء الصعبة في عمل دراسات عن نمو الطفل هو أنه يحدث ضمن سياق ثقافي واجتماعي لا يمكن الانفكاك عنه. لكن هذا السياق غالبًا ما يكون مختلطًا. الاختلافات في البيئة المادية، وأساليب التربية، والمكان (الدولة)، والمناخ (الطقس) وما إلى ذلك تتفاعل فيما بينها لتؤثر في كيفيات أو مديات نمو الطفل (4).

وإلى جانب هذه الاختلافات، هناك اختلافات فردية أيضا. يمكن أن تتمثل هذه الاختلافات، على سبيل المثال، في الفضول والخجل والاضطرابات العصبية، والتي يمكن أن تؤطر كيف يؤثر الطفل في بيئة تعلمه [انبثاق قدراته من تطور حواسه وفهمه واستيعابه وذلك من خلال درجة نضوج عقله (5)].

خذ على سبيل المثال مجال النمو الحركي في مرحلة الطفولة – دراسة كيف يتعلم الأطفال الحركة. قد يكون الكثير من أولياء الأمور على وجه الخصوص على دراية بالرسوم البيانية التي توضح متى يتوقعون أن يجلس طفلهم ومتى يحبو ومتى يقف ومتى يركض. إن وجود هذه الرسوم البيانية يجعلها تبدو عالمية الطابع جدًا [تنطبق على كل طفل في العالم]، وغالبًا ما يُقيم النمو الحركي عند الطفل (6) وفقًا لذلك.

هذا منطقي. الذهن كان مشغولًا في الدراسات الأولى باكتشاف ما هو طبيعي، ومن المنطقي محاولة دعم الأطفال الذين قد يكونون معرضين لاحتمال التخلف عن الأطفال الطبيعين. التوقيت والنظام اللذان جرت الأبحاث فيهما في ذلك الوقت أدى إلى معايير ومقاييس لا زلنا نستخدمها حتى وقتنا الحاضر.

هل هناك شيء مثل توقيت النمو الحركي عند الأطفال (6) يصدق على جميع الأطفال في العالم؟ من السهل أن نتخيل أنه قد يكون كذلك. عندما لا تكون هناك عوائق بدنية أو عقلية، جميع الأطفال في المعمورة لديهم القدرة على تعلم الجلوس والوقوف، لذا يبدو من الظاهر أنه من الإنصاف أن نقول إن هذا ممكن تطبيقه على جميع أطفال العالم.

ولكن اتضح أن السياق الذي ينمو فيه الأطفال يلعب دورًا كبيرًا حتى في شيء يبدو أنه ينطبق على جميع أطفال العالم مثل النمو الحركي هذا (7). في الدول والثقافات التي يتلقى الأطفال بشكل روتيني تدليكًا ثابتًا من مقدمي الرعاية، كما هو الحال في جامايكا، فهذا يُسرِّع من النمو الحركي لديهم (8). من الواضح أن المعيار الاجتماعي الذي ظهر في ثقافة من الثقافات قد لا ينطبق بشكل جيد على ثقافة أخرى.

ما وراء الأعراف

من الواضح أن المشكلات الآنفة الذكر ليست مقتصرة على النمو الحركي. وفي مجالات مثل تطور (نمو أو اكتساب) اللغة (9) أو التنمية الاجتماعية (10)، العنصر الثقافي فيها يكون أكثر إلحاحًا. [عناصر الثقافة تتكون من خمسة عناصر رئيسة: القيم والمعتقدات والأعراف، والرموز، واللغة، والطقوس. هناك أيضًا مكونات أخرى أقل شيوعًا مثل القانون والتكنولوجيا، وهي بارزة في المجتمعات الأكثر تقدمًا (11)].

ببساطة، ليس هناك وسيلة محددة لفهم عناصر نمو الطفل هذه بدون فهم السياق الذي تحدث فيه أيضًا. ينمو كل طفل ضمن سياق معين، ومهما بدت ثقافتنا طبيعية بالنسبة لنا، فلا يوجد معيار موضوعي خالٍ من السياق يمكننا مقارنة الأطفال الآخرين به. وهذا يعني أننا يجب أن نقبل حالة عدم الوضوح (التشويش).

لو فكرنا في النمو الطبيعي للطفل باعتباره شيئًا يحدث للتو، فإن الباحثين يفوتون فرصة فهم ديناميكيات النمو نفسه. ولكن الأسوأ من ذلك هو أن المعلمين ومقدمي الرعاية قد لا يدركون أن التنمية أمر يمكننا العمل عليه، مما يؤدي إلى تفويت فرصة إحداث تغيير.

جانب مهم من رؤية تنمية الطفل باعتبارها متداخلة مع الثقافة هو أن ذلك لا يعني فقط جمع بيانات من ثقافات أخرى، ولكن إشراك المجتمعات المحلية والمنظور البحثي. فهم المجتمعات يعني الاستماع إليها وتمكينها وإفساح المجال لها ليكون لها صوت. تجاوز الفهم الغربي لنمو الطفل لن يفيد الباحثين ويؤدي إلى فهم علمي أكثر دقة فحسب، بل نأمل أن يفيد كل من يعمل في دراسة نمو الأطفال في جميع أنحاء العالم.

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/تطور_الطفل

2- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1002/icd.2393

3- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/infa.12545

4- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK551481/

5- https://www.annualreviews.org/content/journals/10.1146/annurev-devpsych-121318-084841

6- https://www.aboutkidshealth.ca/ta/motor-development-the-next-six-months-ta?language=ar

7- https://www.cambridge.org/core/journals/behavioral-and-brain-sciences/article/abs/weird-walking-crosscultural-research-on-motor-development/54FDEF21D44E33E7D34D2237A612F80C

8- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/3192073/

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/تنمية_المهارات_اللغوية

10- https://ar.wikipedia.org/wiki/تنمية_اجتماعية

11- https://study.com/academy/lesson/elements-of-culture-definitions-and-ideal-real-culture.html

12- https://royalsocietypublishing.org/doi/10.1098/rstb.2017.0059

المصدر الرئيس

https://www.durham.ac.uk/research/current/thought-leadership/2025/01/why-theres-no-such-thing-as-normal-in-child-development/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى