نجمة في محراب الطاعة
السيد فاضل آل درويش
هل صلاتنا ووقوفنا في محراب العبادة له أهميته العالية، بحيث نسعى لتهيئة الظروف للقاء الله تعالى والوقوف بين يديه ومناجاته، و نغالب ما يواجهنا من متاعب ومصاعب نفسية ومادية فلا تشكل عائقا أمام المبادرة إلى الصلاة، أم أننا نعاني من ضعف روحي ونفسي لا نلتفت إليه، بحيث إذا واجهنا مشكلة معينة سلبتنا حضور القلب والتوجه إلى الله تعالى، وانسلخت تلك الصلاة من مضامينها العالية من الخشوع والطمأنينة والأنس بذكر الله تعالى إلى مجرد هيئة للصلاة وهيكل فارغ؟!
لنأت إلى واقعنا ونبحث فيه عن مظاهر ومصاديق لهذه الحالة وكيفية تعاملنا معها، فالبعض منا متى ما صادف مشكلة فإنها تشعل قلبه همًا وغمًا يفقد معها كل الفاعلية والنشاط والتحرك نحو أداء الصلاة، فإما أنه يتخلى عنها تمامًا ولا يهتم بأدائها بحجة أنه في وضع صعب لا يتحمل معه حركة رجليه فضلًا عن الوقوف للصلاة، وإما أنه يخادع نفسه فيتصور أن الاهتمام بالصلاة والمحافظة عليه يصدق على أدائها بأي شكل من الأشكال، حتى ولو أداها منشغل القلب بأمور الدنيا وتحصيل ملذاتها والرزق فيها، فتكون تلك الصلاة – في حقيقتها – مجرد تحرك وانتقال بين أفعال الصلاة وقلبه في مكان آخر تمامًا.
الصلاة في مضمونها ومعناها صلة روحية ووجدانية يستشعر معها المصلي بعظمة الله عز وجل، فيجعل منها مضمارًا للقرب منه تعالى وتحصيل مكتسباتها وحللها التي يتجلل بها، والصلاة في تقسيم أوقاتها فرصة للمرء للتخلص من متاعب الحياة وهمومها، حيث أن الدخول في معترك الحياة واقتناص الفرص منها وتحقيق الأهداف يستنزف قواه ويحتاج إلى فرصة يلتقط فيها الأنفاس ويستعيد حيويته وفاعليته، والصلاة محطة لإشباع الحاجات الروحية وبث الهموم ومناجاة القدرة المهيمنة والمدبرة لشئون المخلوقات.
وعندما نقف مع نموذج ناصع لحالة التعب والألم ومع ذلك فإن كل ذلك يزول في محراب العبادة، نجد الحوراء زينب (ع) تصلي صلاة الليل ليلة الحادي عشر من محرم – وإن كانت من جلوس لشدة تعبها الجسدي والمعنوي – مما يعكس ما كانت عليه من صبغة روحية تدل على مرتبة عالية من معرفة الله تعالى والخشية منه والأنس بذكره، إنها تختصر معاني الحياة الدنيوية بما فيها من تفاصيل ومواقف وأحداث ورغبات في كلمة واحدة، العمر وسيلة لتحقيق العاية الكبرى وهي العبودية لله عز وجل والقرب منه، فالإحساس بمعية الله تعالى تهوّن كل ألم وتعب وتبعد شبح الهوان والضعف واليأس، فأصحاب الإرادات القوية والهمم العالية لا تسقطهم الأزمات في التيهان والحيرة والتشرذم، فالحوراء زينب (ع) مع ما واجهته من مصائب مؤلمة لم تبتعد عن محراب العبادة والطمأنينة الروحية والراحة النفسية الحقيقية، فما ضعفت قواه من اتصل بالقوي العزيز وتوكّل عليه.
الحوراء زينب (ع) صاحبة رقي روحي وعمق إيماني راسخ لم تمنعها عن محراب العبادة تلك الشدائد والمحن التي واجهتها، مما جعلها محل اقتداء وتأسّ بها لما امتازت به من انقطاع إلى الله تعالى وصبر وهمة عالية، لتعلّمنا درسًا في الاتصال بالله تعالى في جميع حالاتنا وخصوصًا في الشدائد، فالصورة الظاهرية وما تحمله من مشاهد للآلام والمصاعب والأزمات، إلا أن هناك قبسًا من نور يستبطن هذه الصور وهو استمداد القوة من رب العباد.