ما سبب الإحساس بتباطؤ الزمن في بعض الحالات؟
المترجم : عدنان أحمد الحاجي
بقلم ستيڤ تايلور، استاذ مشارك في علم النفس، جامعة ليدز بيكيت في المملكة المتخدة
نعلم جميعًا أن الزمن يبدو وكأنه يمر بسرعات مختلفة في حالات مختلفة. على سبيل المثال، يبدو أنه يمر ببطء عندما نسافر إلى أماكن غير مألوفة، حيث قد يبدو أسبوع في بلد أجنبي أطول بكثير من أسبوع في البلد الأم.
يبدو أيضًا أن الزمن يمر ببطء عندما نشعر بالملل أو الألم. ويبدو أنه يتسارع عندما نكون في حالة استغراق (انغماس) (1)، كما هو الحال عندما نعزف موسيقى أو نلعب شطرنج أو نرسم. بشكل عام، يقول معظم الناس أن الزمن يبدو أنه يتسارع مع تقدمهم في السن.
بيد أن هذه الاختلافات في الإحساس بالزمن طفيفة جدًا. يمكن أن يتغير احساسنا بالزمن بطريقة أكثر راداكيلية. في كتابي الجديد (2)، وصفت ما سميته بـ “الإحساس بتمدد الزمن” – حيث قد تمتد الثواني إلى دقائق. [تمدد الزمن = تباطؤ الزمن].
إن الأسباب التي تجعل الزمن يتسارع أو يتباطأ هي أسباب غامضة بعض الشيء. يعتقد البعض، وأنا من بينهم، أن الاختلافات الطفيفة في الإحساس (بالإدراك الحسي) بالزمن (3) مرتبطة بمعالجة المعلومات [والتي تنطوي على اكتساب المعلومات وترميزها وحفظها واسترجاعها أو تذكرها (4، 5)]. كقاعدة عامة، كلما زادت كمية المعلومات التي تعالجها أدمغتنا – مثل الادراكات والأحاسيس والأفكار – يبدو أن الزمن يمر بشكل أبطأ. يمر الزمن ببطء على الأطفال لأنهم يعيشون في عالم من الحداثة (العصرية).
البيئات (الأماكن) الجديدة تمدد (تبطىء) الزمن بسبب عدم الألفة بها. الاستغراق أو الانغماس في الشيء يقلص الزمن ولذا يمر بسرعة لأن انتباهنا أصبح مركزًا، وتهدأ أذهاننا، مع السماح بتمرير البسيط من الأفكار. في المقابل، يؤدي الملل إلى إطالة الزمن لأن أذهاننا غير المركزة مشغولة جدًا بحديث النفس.
الإحساس بتمدد الزمن
قد يحدث الإحساس بتمدد الزمن في حالة الطوارئ، مثل التعرض لحادث مروري أو لسقوط أو لهجوم. في الاحساس بتمدد الزمن، يبدو أن الزمن يمتد بشكل أسِّي. في أبحاثي (الكلام للمؤلف)، وجدتُ أن حوالي 85% من الناس حدث لهم احساس بتمدد الزمن مرة واحدة على الأقل.
ما يقرب من نصف تجارب الاحساس بتمدد الزمن تحدث في حالات الحوادث والطوارئ. في مثل هذه الحالات، غالبًا ما يتفاجأ الناس بمقدار الزمن المتاح لهم للتفكير والتصرف. والواقع أن الكثير من الناس مقتنعون بأن احساسهم بتمدد الزمن قد أنقذهم من التعرض لإصابات خطيرة، أو حتى أنقذهم من موت محتم ــ لأنه سمح لهم باتخاذ إجراءات وقائية من شأنها أن تكون في العادة مستحيلة.
على سبيل المثال، أخبرتني امرأة (2) عن تجربة مرت عليها انطوت على إحساسها ببطء (تمدد) الزمن تجنبت فيه سقوط حاجز معدني على سيارتها. كيف سمح لها “تباطؤ الزمن لـ لحظة” “بأن تقرر كيف تتجنب سقوط الحاجز المعدني عليها”.
الاحساس بتباطؤ الزمن شائعة أيضًا في الألعاب الرياضية. على سبيل المثال، وصف أحد المشاركين نقطة الإنطلاق التي حدثت أثناء لعب هوكي الجليد، عندما “بدأت اللعبة التي بدا أنها قد استمرت مدة عشر دقائق تقريبًا بينما هي بالفعل كلها حدثت في ثمان ثوانٍ تقريبًا.” الاحساس بتمدد الزمن يحدث أيضًا في لحظات السكون والحضور، أثناء رياضة التأمل أو في المناطق المحيطة الطبيعية.
لكن بعض أنواع تمدد الزمن القصوى لها علاقة بالمواد المهلوسة، مثل مادة إل سي دي LSD المهلوسة أو شراب آياهواسكا المهلوس. ذاكرتي عن أنواع تمدد الزمن، حوالي 10% منها لها علاقة بالمهلوسات. أخبرني رجل أنه أثناء تجربة تناوله مادة إل إس دي المهلوسة، نظر إلى الساعة التوقيتية stopwatch (التي تقيس مرور الزمن) على هاتفه الخلوي و”كأن حركة الأجزاء من المائة من الثانية ببطء حركة ثواني. وقال: “لقد كان تمدد (تباطؤ) الزمن بالغًا بالفعل.”
لكن ما السبب؟ إحدى النظريات (6) هي أن هذا الاحساس مرتبط بإفراز هرمون النورادرينالين (هرمون وناقل عصبي) في حالات الطوارئ، ويرتبط بآلية “الكر أو الفر (7)”. لكن هذه النظرية لا تتناسب مع الهناء النفسي الهاديء التي يفيد بها بعض الناس عادةً في احساسهم بتمدد الزمن.
بالرغم من أن حياتهم قد تكون معرضة للخطر، إلا أن الناس عادة ما يشعرون بالهدوء والاسترخاء بشكل غريب. على سبيل المثال، قالت لي امرأة أنها أحسن بتمدد الزمن عندما سقطت عن ظهر حصان: «يبدو أن التجربة برمتها استمرت لدقائق. كنت هادئة جدًا، وغير مهتمة بأن الحصان لم يستعيد توازنه بعد، ومن المحتمل جدًا أن يسقط عليها». كما أن نظرية هرمون النورادرينالين لا تتناسب مع حقيقة أن الكثير من أنواع تمدد الزمن تحدث في حالات هدؤ البال، مثلًا في حالة التأمل العميق أو في حالة الانسجام مع الطبيعة.
النظرية الأخرى (2) التي فكرت فيها هي أن الاحساس بتمدد الزمن هو عبارة عن تكيف تطوري (8). ربما طور أسلافنا القدرة على إبطاء الزمن في حالات الطوارئ – كموجهاتهم مع حيوانات برية مفترسة أو تعرضهم إلى كوارث طبيعية – لتحسين فرصهم للبقاء على قيد الحياة. بيد أن الحجة المذكورة أعلاه تنطبق هنا أيضًا: وهذا لا يتناسب مع الحالات غير الطارئة في حالة الاحساس بتمدد الزمن.
النظرية الثالثة (9) هي أن الاحساس بتمدد الزمن ليس إحساسًا حقيقيًا، بل هي أوهام الذاكرة. في حالات الطوارئ، كما تقول هذه النظرية، يصبح إدراكنا الحسي بالأشياء ثاقبًا وأقوى من المعتاد، ويصبح هذا الإدراك راسخًا في ذاكرتنا، بحيث عندما نتذكر الحالة الطارئة، فإن هذه الذكريات الأخرى تخلق انطباعًا بأن الزمن يمر ببطء.
ومع ذلك، في الكثير من أنواع الاحساس بتمدد الزمن، يكون الناس على يقين من أن لديهم وقتًا إضافيًا للتفكير والتصرف. سمح تمدد الزمن بسلسلة معقدة من الأفكار والأفعال التي كان من الممكن أن تكون مستحيلة لو كان الوقت يمر بسرعة عادية. وفي استبانة حديثة (لم تٌنشر بعد) لـ 280 حالة احساس بتمدد الزمن، وجدت أن أقل من 3% من المشاركين يعتقدون أن التجربة كانت مجرد وهم. ويعتقد نحو 87% أنها تجربة حقيقية حدثت في الوقت الحاضر، فيما كان 10% كان محايدًًا.
حالات الوعي المتغيرة
من وجهة نظري، فإن مفتاح فهم تمدد الزمن يحيط بحالات الوعي المتغيرة. الصدمة المفاجئة لحادث قد تعطل عملياتنا النفسية الطبيعية، مما يسبب تحولًا مفاجئا في الوعي. في الرياضة، تحدث حالات شديدة التغير بسبب ما أسميه بـ “الاستغراق أو الانغماس.”
يؤدي الاستغراق عادةً إلى الإحساس بأن الوقت يمر بشكل أسرع – كما هو الحال في التدفق (الانغماس أو حالة التركيز الفائق (10))، عندما نكون منغمسين في مٓهمة ما. ولكن عندما يصبح الاستغراق شديدًا بشكل خاص، لفترة طويلة من التركيز المستمر، يحدث العكس، ويتباطأ الزمن بشكل راديكالي.
يمكن أن تؤثر حالات الوعي المتغيرة أيضًا على إحساسنا بالهوية، وشعورنا الطبيعي بالانفصال عن العالم (المحيط). وكما أشار عالم النفس مارك ويتمان Marc Wittmann، فإن إحساسنا بالزمن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإحساسنا بالذات.
عادة ما يكون لدينا شعور بالعيش داخل فضاءنا (عالمنا) الذهني (11، 12)، في وجود عالم خارجي “هناك” على الجانب الآخر. إحدى السمات الرئيسة للحالات المتغيرة الشديدة هي أن الشعور بالانفصال عن العالم الخارجي يتلاشى. ولم نعد نشعر بالانغلاق داخل أذهاننا، بل نشعر بالارتباط بمحيطنا.
وهذا يعني أن الحدود بيننا وبين العالم الخارجي تصبح سهلة يمكن اجتيازها. وفي هذه العملية، يتمدد إحساسنا بالزمن. نحن ننتقل خارج وعينا الطبيعي إلى عالم زمني مختلف.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/الاستغراق
2- https://www.stevenmtaylor.com/books/time-expansion-experiences/
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/إدراك_الزمن
4- https://research-hive.com/2024/08/16/life-in-slow-motion-can-time-perception-and-the-speed-of-information-processing-be-manipulated/
5- https://study.com/academy/lesson/what-is-information-processing-definition-stages.html
6- https://www.frontiersin.org/journals/psychology/articles/10.3389/fpsyg.2012.00196/full
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/استجابة_الكر_أو_الفر
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/تكيف
9- https://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0001295
10- https://adnan-alhajji.blogspot.com/2024/11/blog-post_20.html?m=1
11- https://en.wikipedia.org/wiki/Mental_space
12- https://mitpress.mit.edu/9780262546089/altered-states-of-consciousness/
المصدر الرئيس
https://theconversation.com/time-expansion-experiences-why-time-slows-down-in-altered-states-of-consciousness-244949