أدعية شهر رجب يقظة روحية
السيد فاضل آل درويش
الزخم الروحي والشحن المعنوي المتمثل بذاك الكم من الأدعية في شهر رجب له دلالاته ومضامينه التي ينبغي التأمل فيها والتوقف عندها، فمن الخطأ أن نتصور أنها مجرد كلمات ترددها الألسن دون أن تخترق حجب النفس ودون أن تلقي عليها بظلال اليقظة والإدراك وتبصّر الحقائق، إذ تمثل هذه الأدعية مجموعة من الدروس الأخلاقية والاجتماعية والتربوية يراد منها أن تموّن جزءًا من شخصية الداعي وهويته، تسعفه على السير في طريق التكامل والارتقاء الروحي والتخلص من ربقة الرذائل الأخلاقية ومسارب الأهواء الخانقة للنفس الطاهرة والنقية، كما أنها ترسم خريطة طريق يسير وفق توجيهاتها من يبتغي العلياء والطهارة من دنس النزوات المذلة، فالتفكر في المفاهيم المطروحة في ثنايا أدعية شهر رجب يهيء المرء إلى الانتقال إلى مرحلة اكتسابها و تجسيدها والتزين بحلل التهذيب النفسي.
فأولى الخطوات والقرارات التي يتخذها المرء بعد استيعاب تلك الدروس ومعرفة الدور الوظيفي الحقيقي له في هذه الدنيا، هو التوجه إلى ساحة الرحمة والمغفرة الإلهية لغسل نفسه من أدران الآثام، وهذا الطريق – أي الأوبة والرجوع إلى الله تعالى – ليس بالمسير السهل، وإنما تكتنفه العراقيل والمثبطات والمصاعب التي يحتاج في مواجهتها وتجاوزها إلى روح التحمل والصبر على الشدائد، فهذه الحياة في مجملها محطات ابتلاء واختبار لملكات وقابليات الفرد وحقيقة إيمانه ومدى تغلغله في روحه وجوارحه، ولذا نجد في تلك الأدعية تأكيدًا على مفهوم الصبر والثبات حيث يتواجه في ساحة المعركة والصراع مع جنود الشيطان ومكره وخطواته، وبعد التجلبب بجلباب اليقظة الروحية المكتسب من التفاعل مع تلك الأدعية، ستكون قواه أكثر انتباهًا وحذرًا من تزيين الشيطان ومغريات الدنيا الفاتنة.
هذه الأدعية منهج أخلاقي يُراد منه أن يتحوّل إلى مواقف أخلاقية عملية على أرض الواقع، وبداية تصحيحية ورجوع إلى الله تعالى بعد أن استقبحت نفسه ما يرتكبه من نقائص ومعايب لا تليق بمن كرّمه الله تعالى بالعقل المفكر في عواقب الأمور، فنقاء النفس من شوائب الشهوات المتفلّتة يتطلب قبلها التوبة إلى الله تعالى والعزم الأكيد على التغيير الإيجابي، والتخلص من مكامن الشيطان الرجيم التي يزين بها للمرء لارتكاب الآثام.
وخير معين للإنسان في مواجهة ضغوطات الحياة ومصاعبها هو الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى وتفويض الأمور إليه بعد الأخذ بالأسباب المادية، وهكذا تتشكل دائرة الثقة والثبات والإصرار بعد أن زُرع اليقين في قلبه بأن مقاليد الأمور بيد رب العالمين، ولكن الشرط للظفر بالتأييد الإلهي هو إصلاح النفس قبلها ومحاسبة النفس والاعتراف بخطاياه لتصحيحها، والوصول إلى حالة الاتزان الفكري والنفسي من خلال التأمل في معالي الأمور وسبل تحقيق التكامل والرقي التربوي، وسلامة القلب من الإحن ومشاعر الكراهية والقدرة على المسامحة والعفو، إذ الاتصال بالله تعالى والاستعداد للقائه يوم القيامة يرتقي بالنفس عن المناكفات والانشغال بالخصومات.
الأدعية وقفة مهمة للمرء مع نفسه وإجراء عملية تقييم لعلاقته بربه ومدى حضور عظمته والخشية منه تعالى في قلبه، فتكون مدعاة لصحوة روحية تستقبح معها النفس ارتكاب الموبقات والرذائل، ومن ثم يجري عملية تطهير لقلبه من شوائب الآثام، مما يسهم في إحداث وعي وتبصّر ونضج ورشد في فكره وسلوكياته التي ترتقي إلى النزاهة والاستقامة.