أقلام

قراءة في كتاب كيف تقوي إرادتك؟

عبد الله حسين اليوسف

قراءة في كتاب كيف تقوي إرادتك؟، تأليف / محمد العلوي، الطبعة الأولى:1433هــ /1992م

من أنت؟

إنك مخزون هائل من الطاقات والكفاءات والإمكانات والمواهب، والسبيل إلى الاستفادة من هذا المخزون الكبير هو من إرادتك: في أن تريد أو أن لا تريد. فلكي تقوي إرادتك، اكتسب عواملها، وإليك بعضها:

أولُا: الفهم والوعي والرؤية الواضحة:

وتسمى في الاصطلاح القرآني: البصائر، ومفردها بصيرة.

وقد يسأل السائل: ما علاقة البصيرة – وهي من عمل العقل – بقوة الإرادة، وهي من عمل النفس؟

يقول رسول الله (ص): 《 من يعرف البلاء يصبر عليه، ومن لا يعرف ينكره》.

إن كل رؤية واضحة يحرزها الإنسان، تقوي من عزيمته وإرادته، وإن ” الناس أعداء ما جهلوا”، ولو فكرت مع ذاتك، ألا تجد أنك حينما تمتلك الرؤية الواضحة في أية مهمة تكلف بها، أو في أي عمل تريد القيام به، ألا تجد أنك قادر أكثر على الانطلاق والتحرك، وكلما قلت معرفتك ووعيك تحجم عن التحرك أو تتباطأ فيه ؟ وحينما تحجم عن القيام بأمر ما أو تتباطأ فيه، فإنك تذهب وتسأل عنه، فإذا اتضحت الرؤية أمامك، انطلقت في عملك.

ومن هنا نجد القرآن الكريم – والنهج الإسلامي بشكل عام – يركز على موضوع البصائر، موجهًا الإنسان إلى المحافظة على قوة البصيرة القائدة إلى قوة الإرادة ويعبر عن البصيرة بالعقل الواعي، فكلما وعي المرء أكثر كلما قويت إرادته أكثر.

وكلما جهل المرء أحجم، وتردد. فمن أجل اكتساب قوة الإرادة، والتخلص من حالة التردد القاتلة، عليك أن تخطط حياتك وفق ما يمليه عليك عقلك. وليس عاطفتك. إن المطلوب أن تفكر في العواقب، وأن تتحكم في نفسك، وأن لا تسترسل مع الإغراءات مهما كانت شديدة.

عود نفسك على التفكير في نتائج وعواقب أي أمر تنوي الإقدام فيه، وكن حكيمًا في تصرفاتك، وفي اتخاذك للقرار، حتى يكون قرارك حكيمًا أيضًا.

يقول الإمام علي بن أبي طالب (ع):《 إنما العقل في التجنب من الإثم، والنظر في العواقب، والأخذ بالحزم 》.

ويقول (ع) أيضًا: 《 من قوي عقله أكثر الإعتبار》.

فالمرء الواعي العاقل هو الذي ينظر بعقله وتفكيره إلى عواقب الأمور فيعتبر بها، ومن ثم يسيطر على نفسه، ويتحكم في انفعالاته بإرادته.

يقول الإمام علي (ع): 《 العاقل من يملك نفسه إذا غضب، وإذا رغب، وإذا رهب》.

وهكذا، فلكي تكون أكثر الناس صبرًا، وأقواهم إرادة عليك باكتساب البصيرة والوعي والحكمة.

يقول الإمام علي بن أبي طالب (ع): 《 الحكماء أشرف الناس أنفسًا، وأكثرهم صبرًا، وأسرعهم عفوًا 》.

ثانيًا: الإيمان القوي:

إن أحد عوامل تقوية الإرادة هو الإيمان القوي الذي يترجمه المرء في سلوكه اليومي، أما الإيمان الشكلي المقتصر على ممارسة بعض الطقوس لا يقوي الإرادة أبدًا.

إن الإيمان والتقوى واليقين هي أمور ضرورية للإنسان لاتخاذ مواقفه في الحياة، وهي التي جعلت أصحاب رسول الله (ص) يقاومون ويقاتلون ببسالة في الغزوات.

ثالثًا: السيطرة على النفس:

يقول الإمام علي (ع): 《أقوى الناس أعظمهم سلطانًا على نفسه 》.

إن من يمتلك القوة والسلطة على نفسه، فيواجه أهواءه، وشهواته، وعواطفه، يكون قوي الإرادة، وخلاف ذلك صحيح. فاتباع الهوى والشهوة يفقد المرث سيطرته على نفسه، ويقوده إلى الهلاك.

ولكن يسيطر المرء على نفسه، خليق به أن يتحكم بوعي في كل تصرفاته وانفعالاته، كالتردد والغضب وما إلى ذلك سواء كان الانفعال بوعي أو بشكل عفوي. يوفر طاقته العصبية، وليضعها في موضعها وعليه أن لا يستهلك أعصابه كيفما كان، بل ينبغي له أن ومن الضروري التدرب على التماسك والسيطرة على النفس إن واجه الإنسان ما يثيره. إن السيطرة على النفس عند الغضب – مثلًا – تكسبك شدة وقوة في الإرادة.

يقول رسول الله(ص):《ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب 》.

رابعًا: المحافظة على الحرية:

لكي يكون المرء ذا إرادة قوية صلبة، ينبغي أن يكون حرا، لا يستعبده شيء، وبالحرية يتمكن من اختيار الموقف المناسب من دون أن تجبره قوة أو جهة أخرى على خلاف ذلك، وكلما ازداد عبودية لله – عز وجل – ازداد حرية بين الناس وقدرة على مقاومة أهواء نفسه وشهواتها.

وبناء على ذلك واجب المرء أن لا يفرط في حريته، ولا يدع أحدًا يسلبها منه يقول الإمام علي (ع) : 《و لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرًا》 .

خامسًا: التدرب غير الإرادي الواعي:

ليس التدرب الإرادي الواعي اتخاذ المواقف الحماسية الممزوجة بالعاطفة أو الغضب أو الرفض بشكل دائم، بل إن التدرب الواعي لكسب الإرادة القوية قد يتمثل تارة في الرفض، وفي الموافقة تارة أخرى.

وكذلك الحال بالنسبة للطاعة، فالمرء يحتاج إلى إرادة قبول الأمر الإلهي، والصبر على عدم إتيان المعصية، وبعبارة أخرى: الاثمار بأوامر الله – عز وجل – والانتهاء عن نواهيه.إن التغيير الواعي هو. الذي يعطيك قوة الإرادة، وهذا معنى الصبر الذي أمر الإسلام بالتعود عليه، فالصبر – أساسًا – هو التدرب المستمر على تقوية الإرادة الواعية، مع العلم بأن الصبر لا يعني الإستسلام .

يقول الإمام الصادق (ع): 《الخُلق منحة يمنحها الله من شاء من خلقه ، فمنه سجية ومنه نية》.

سادسًا: مواجهة المحن والصعاب:

المحن ظروف صعبة يمر بها الإنسان، وفيها تصقل إرادته وتشحذ عزيمته فيما إذا استعملها وصبر.

وقد يسأل السائل: كيف التصرف وقت المحن؟

منذ أول وهلة ينبغي للمرء أن لا يوحي لنفسه بالضعف، أو خور العزيمة أو الخوف في مواجهة المحن، بل عليه أن يفكر بجد وهدوء في التغلب على صعابها دون أن يهتز. وقد يقول قائل: من من البشر باستطاعته أن يبقى هادئًا ولا يفقد أعصابه أو توازنه حين الإصابة بالمحن؟

سابعًا: المحافظة على الصحة البدنية: ويرد على هذا بأن على المرء أن يجرب الصمود في المحن وأن يتعود على مواجهتها، وبذلك تقوى إرادته وهزمه.

وقد تسأل: ما علاقة الصحة البدنية بالإرادة القوية؟ أليست روح الإنسان ونيته القوية هي وراء صموده وثباته مهما كان جسمه ضعيفًا؟.

والجواب: لا شك أن الروح الصامدة والنية القوية هي عامل أساس في حركة الإنسان وفاعليته، ولكن هذا لا يعني أن دور الجسد ملغي، وأن لا ضرورة به. في الاهتمام به. إن الجسد القوي، والبنية السليمة لهما الدور الكبير في كثير من الأحيان في رفع نسبة قدرة المقاومة والتحمل والصبر على مكاره الأمور عند الإنسان. ومن هنا كان الاعتناء بالصحة البدنية ضرورة لمن يريد زيادة منسوب مقاومته وعزيمته.

إنه لا يخفى أن العقل السليم وراء كثير من إنجازات الإنسان، وعامل هام من عوامل انبعاثه الإرادي، فلكي يبقى العقل سليمًا يجب أن يكون الجسم سليماً أيضًا أليس ” العقل السليم في الجسم السليم “؟

ثامنًا: محاسبة النفس اليومية:

{ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم }[سُورَةُ الرَّعدِ: ١١]

ذلك أن أول خطوة نحو إمتلاك الإرادة القوية هو أن تغير ما بداخلك، وأن تصلح ما يعتور نفسك من عيوب وسلبيات.

ولن يكون ذلك إلا إذا قاومت الجبت، ألا وهو كل الموانع النفسية التي بداخلك التي تمنعك من الانطلاق نحو رسم مستقبلك كيفما تملي عليك إراداتك. إن من الضروري تخصيص فترات يومية وأخرى أسبوعية وثالثة حسب المناسبات المهمة، لكي تحاسب نفسك في تلك الفترات التي تخصصها، ولكي تفكر بوعي دون الوقوع تحت تأثير أية ضغوطات خارجية، أو نفسية، وتصنع ما تريد من خطط لحياتك ولا ريب أن من يحاسب نفسه بشكل يومي فإنه سيملكها ويخضعها لما يريد.

يقول رسول الله (ص): 《حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا ، وتجهزوا للعرض الأكبر》 .

ويقول الإمام علي بن أبي طالب (ع): 《قيدوا أنفسكم بالمحاسبة، وامـلكــوهــا بالمخالفة 》.

ويقول الإمام الكاظم (ع) : 《ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل خيرًا استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شرًا استغفر الله منه وتاب إليه》 .

إنك إن حاسبت نفسك عرفت عيوبها، وحينئذ قدرت على إصلاح عيوبك بوعي منك وإرادة.

تاسعًا: المحافظة على صفاء الوجدان:

إن صفاء الوجدان يعني سلامة القرار، فقرار الإنسان عادة ما يتأثر بضميره ووجدانه فحينما يبدأ الصراع الداخلي في نفسك لاتخاذ القرار – أي قرار -، أو حينما تتردد في سلوك أحد طريقين، حينها، كيف تقرر؟

يقول الإمام علي بن أبي طالب (ع):

《من عشق شيئاً أغشى بصره، وأمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه …. 》 نهج البلاغة خطبة / ١٠٩).

عاشرًا: استقلالك يقوي إرادتك:

ليس المقصود بالاستقلال عدم الاستنارة من أراء الآخرين ، أو الإعتداء بالرأي والاستبداد به .إنما الاستقلال المطلوب هو أن تتحكم بنفسك في قرارك ، وذلك بأن تكتشف الدوافع التي دفعتك لاتخاذ القرار ، هل هي بتأثير غيرك دون تفكير منك ؟

إن الإنسان لا يمكنه أن يعيش منزويًا في الحياة، فلا يؤثر فيما حوله ولا يتأثر بمظاهر له من محيط وجماعة وظروف فليس المطلوب العزلة والانزواء لكي تتخذ قرارك، بل المطلوب مشاركة الآخرين في المشورة، والتفكير، والبحث، والتدقيق.

حادي عشر: علو الهمة طريق لقوة الإرادة:

إن علو الهمة طريق إلى قوة الإرادة، فإن كانت همتك عالية، فإنك ستجهد في العمل والسعي والجد والاجتهاد حتى تصل إلى طموحك المنشود، وكل ذلك من أعمال الإرادة، ذلك أنك بسعيك الدؤوب، وعملك المتواصل للوصول إلى قمة طموحك إنما تشحذ همتك وتقوي إرادتك. يقول الإمام علي (ع) : « من بذل جهد طاقته بلغ كنه إرادته » . (غرر الحكم )

ويقول الإمام علي (ع) أيضًا: «قدر الرجل على قدر همته، وعمله على فدرنيته».

ويقول الإمام علي (ع) أيضاً: «خير الهمم أعلاها».

فما هو صائد الإرادات؟

إن صائد الإرادات ما هو إلا اتباع الهوى، وإنسياق المرء وراء شهواته ورغباته دون أن يشعر.فكم من إنسان عظيم قوي الإرادة ساقه الهوى دون أن يشعر إلى المزالق؟

وكم من امرىء قوي الشخصية استعبدته غانية من الغانيات فأردته صريع الهوى، فبات لا إرادة ولا شخصية له.

صن إرادتك، وإحفظها بعيدًا عن الهوى والشهوات لكي لا تخسر حياتك.

يقول الإمام علي (ع) :«إنك إن أطعت هواك أصمك وأعماك وأفسد منقلبك وأرداك » .

إن عزمك وإرادتك تبقيان بمنأى عن الضعف إن أنت أبعدتهما عن الهوى وإن لم تفعل ضعف عزمك من ارادتك.

يقول الإمام علي (ع): «من قوي هواه ضعف عزمه».

ويقول (ع) أيضًا: «فاز من غلب هواه وملك دواعي نفسه».

ويقول (ع) أيضًا: «من أحب نيل الدرجات العلى فليغلب الهوى».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى