ظاهرة “اليد الساخنة” و “مغالطة المقامر”: لماذا تجد أدمغتنا صعوبة في الاعتقاد بالعشوائية
المترجم : عدنان أحمد الحاجي
بقلم ميلاد حقاني، أستاذ مشارك في المخاطرة والمرونة الحضرية، جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني
نحن محاطون بأحداث عشوائية غير ثابتة بشكل يومي. هل سيرتفع سوق الأسهم غدًا أم سينخفض؟ هل ستسدد ركلة الجزاء في مباراة كرة القدم إلى يسار أم إلى يمين المرمى؟ هل ستفوز تذكرتك بقرعة اليانصيب في يوم السحب؟
في كثير من الأحيان، نشهد هذه الأحداث ليس باعتبارها أحداثًا معزولة، بل باعتبارها جزءً من سلسلة أحداث. في هذه السلسلة، تتوق أدمغتنا إلى ملاحظة أنماط (أنساق أو تطابق) وعدم العشوائية (1).
في بعض الأحيان قد يكون هناك شيء مفيد وراء هذه الأنماط التي لاحظناها. لكننا في كثير من الأحيان، نشتط ببساطة ونبالغ في قراءتنا للعشوائية.
كيف يمكننا معرفة الفرق؟ أحد الأشياء التي يجب أخذها في الاعتبار هي فكرة الأحداث المستقلة. في حساب الاحتمالات، هذا يعني أن نتيجة حدث واحد لا تؤثر في نتيجة حدث آخر.
الفشل في فهم نظرية الاستقلال (2) يكمن في جوهر ظاهرتين مشهورتين: مغالطة المقامر وظاهرة “اليد الساخنة” في الألعاب الرياضية. [نظرية الاستقلال، يقال عن حدثين أنهما مستقلان إذا كان حدوث أحدهما لا يؤثر في احتمال حدوث الآخر (2). أما مغالطة المقامر، والمعروفة أيضًا باسم مغالطة مونت كارلو، هي الاعتقاد الخاطئ بأنه إذا حدث شيء معين بشكل متكرر أكثر من المعتاد في الماضي، فمن غير المرجح أن يحدث في المستقبل (أو العكس بالعكس) (3). ولكن مغالطة اليد الساخنة hot hand fallacy هي الاعتقاد بأن من يحقق نجاحًا في حدث عشوائي فمن المحتمل أن يحقق المزيد من النجاحات في الأحداث المستقبلية (4)]
عندما نفهم معنى نظرية الاستقلال، سنتمكن من اتخاذ قرارات أفضل في عالم مليء بعدم اليقين (بالعشوائية).
مغالطة المقامر
في 18 أغسطس 1913، في كازينو مدينة مونت كارلو، شهد المقامرون واحدة من أكثر تتابع لعبة الروليت (لعبة قمار (5)) غرابة في التاريخ. سقطت الكرة على اللون الأسود مرة، ومرتين، وخمس مرات، عشر مرات – واستمرت في تعدد السقوط.
تخيل أنك في ذلك الكازينو، تشاهد الكرة تسقط على اللون الأسود 15 مرة على التوالي. ماذا ستفعل؟ هل تراهن على اللون الأسود، معتقدًا أن السلسلة ستستمر بنفس المنوال؟ أم أنك ستراهن على اللون الأحمر، مقتنعاً بأن “مرد” اللون الأحمر الظهور (سقوط الكرة عليه)؟
في تلك الليلة المزبورة، اختار معظم المقامرين اللون الأحمر (سقوط الكرة على اللون الأحمر). بوصول دوران قرص لعبة القمار إلى الدوران رقم 20، كانت الطاولة مليئة باللاعبين الذين راهنوا بكل شيء على سقوط الكرة على اللون الأحمر، لأنهم كانوا على يقين من أن سلسلة سقوط الكرة على اللون الأسود لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.
لكن الكرة استمرت في تحديهم، وسقطت على اللون الأسود مرارًا وتكرارًا. ولم تسقط على اللون الأحمر إلا في الدوران السابع والعشرين – وبوصولها إلى هذه المرحلة خسر الكثير من المقامرين ثروات مالية طائلة.
الصورة؛ بغض النظر عن عدد المرات التي يظهر فيه قصر الروليت باللون الأسود، فإن احتمالات ظهوره باللون الأسود في الدوران التالي تظل كما هي.
بالرغم من أن المبالغ المالية التي خسرها المقامرون خلال دوران قرص الروليت مونت كارلو عام 1913 لم تُوثق بالدقة المطلوبة، فقد ورد أنهم خسروا بشكل جمعي ملايين الفرنكات الفرنسية.
لقد أصبحت هذه الليلة التاريخية الآن مثالاً واضحاً على مغالطة المقامر (3): الاعتقاد الخاطئ بأن الأحداث الماضية تؤثر في احتمالات نتائج الأحداث المستقبلية في سلسلة من تجارب (أحداث) مستقلة عن بعضها.
في الواقع، قرص الروليت مُنْصف، وهذا يعني أن كل دوران هو دوران عشوائي ومستقل عن الدوران السابق. تظل احتمالات سقوط الكرة على اللون الأحمر أو الأسود أو الأخضر ثابتة في كل مرة، بغض النظر عما حدث في السابق.
اليانصيب وإنجاب الأطفال وتسجيل ركلات الجزاء المسددة على المرمى
لا تقتصر مثل هذه الفخاخ العشوائية على اصطيادنا في لعبة قرص الروليت فحسب. بل نقع ضحيتها في حالات أخرى أيضًا.
غالبًا ما يفترض لاعبو اليانصيب أن رقمًا “يوشك أن يظهر” بعد عدم ظهوره لأسابيع. وهذا غالبًا ما يؤدي إلى نقاشات بخصوص متى يجب تغيير الأرقام (6) بناءً على أنساق الظهور التي لوحظت في القرعات الأخيرة.
قد يعتقد الآباء الذين لديهم عدة أطفال من نفس الجنس (خطأً) أن احتمال إنجاب طفل من الجنس الآخر أعلى في المستقبل. [مثلًا، لو كان لدى زوجين طفلان ذكران فهل هذا يعني ان احتمال ان يكون الحمل بأنثى احتمال عالٍ) (7).
يقع حراس مرمى كرة القدم أيضًا ضحية لمغالطة المقامر (3). كشفت دراسة (8) حللت 37 ركلة جزاء في مباريات كأس العالم وكأس أوروبا أن حراس المرمى كانوا أكثر احتمالًا بنسبة 70% للاتجاه في الاتجاه المعاكس لصد الكرة بعد ثلاث ركلات متتالية سددت إلى نفس الجهة من المرمى، معتقدين أن التتالي لابد وأن “يتوازن.” ومن المثير للاهتمام أن مهاجمي فرق كرة القدم لم يستغلوا هذا السلوك المتوقع، حيث بقيت اتجاهات ركلات الجزاء التي يسددونها عشوائية الطابع.
ظاهرة “اليد الساخنة”
ليست نتائج كل تسلسلات الأحداث العشوائية مستقلة عن بعضها. في بعض الأحيان، قد تؤثر الأحداث المتسلسلة في بعضها البعض، مما يؤدي إلى إيجاد أنماط حقيقية لا أنماط متخيلة أو وهمية.
وهذا يقودنا إلى ظاهرة “اليد الساخنة (4)”. هناك اعتقاد سائد بأن اللاعبين الذين يبلون بلاءًا حسنًا في أدائهم – مثل أولائك الذين يسجلون تسديدات كرة سلة متتالية موفقة – هم أكثر احتمالًا للاستمرار في أدائهم الجيد (9).
لكن هل ظاهرة اليد الساخنة حقيقية، أم أنها مجرد مثال آخر على ميلنا الطبيعي إلى فرض أنماط على أحداث عشوائية؟ الإجابة المختصرة: المسألة معقدة (10).
وعلى النقيض من مغالطة المقامر، التي يمكن استبعادها وذلك من خلال مباديء إحصائية واضحة، فإن ظاهرة اليد الساخنة تقاوم الرفض الحتمي (11).
لا توجد وسيلة لإثبات أن التسديدات المتتالية لكرة السلة مستقلة تمامًا عن بعضها. قد تلعب المهارة أو الثقة أو الزخم الفسيولوجي النفسي psychophysiological momentum (والتي تنطوي على المعززات النفسية (12) ) دورًا في إنشاء تتالي حقيقي [أي النجاح المتتالي أو النجاح يولد نجاحًا].
ومع ذلك، تظل الأدلة التجريبية غير قاطعة وتعتمد على السياق (13). وقد لاحظت بعض الدراسات تأثيرات بسيطة في بعض الألعاب الرياضية، إلا أن دراسات أخرى استبعدت هذا التأثير.
ورغم أن المسألة انبثقت من رياضة كرة السلة، إلّا أن الأبحاث اللاحقة طبقتها على ألعاب رياضية أخرى، بما فيها لعبة البيسبول (14)، ولعبة السهام المريشة (15)، والتنس (16)، وكرة البولينغ (17). وتفيد معظم الدراسات بأن التأثير، لو كان موجودًا، أضعف بكثير مما يعتقده الكثير من اللاعبين والمدربين والمشجعين.
ماذا يعني كل هذا؟
باعتبارنا بشرًا، فإننا مفطورون على البحث عن الأنماط (الأنساق) والاتجاهات لفهم ما يدور حولنا واتخاذ القرارات بناءً على ذلك. لكن في كثير من الأحيان، لا نملك سوى إمكانية الحصول على معلومات بسيطة غير كافية، وهو ما قد يضللنا حين نفسر نتائج الأحداث العشوائية ونحملها ما لا تحتمل.
أحد الأخطاء الشائعة هو افتراض أن التتالي أو تتالي مجموعات عنقودية لها نتائج متشابهة تفيد بشيء غير عادي أو نتائج مزيفة. في الواقع، هذه المجموعات العنقودية هي سمات طبيعية للعشوائية.
الإنصاف أو التوازن لا يتجلى إلا في عدد كبير جدًا من الأحداث، وليس في عينات صغيرة. الأحداث المستقلة مثل رمي العملة المعدنية ليس لها ذاكرة [بمعنى أنها لا تتذكر النتيجة السابقة وبذلك لا تتماثل نتيجتها في كل مرة]. كل نتيجة مميزة عن بقية النتائج الآخرى [نظرية الاستقلال]، ولا تتأثر بما حدث قبلها.
ميل البشر إلى البحث عن الأنماط لا وجود له في الواقع، والمعروفة أيضًا باسم الوهم العنقودي (18)، يمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعزيز الخرافات مثل خرافة “الحظ السيئ يأتي في المرة الثالثة، والذي يعرف بـ الإستسقاط apophenia (19.” إنها نفس المغالطة التي تقودنا إلى توقع انتهاء تتالي الخسائر في الكازينو قريبًا، أو الاعتقاد بأن سلسلة من الأحداث السيئة غير المرتبطة ببعضها في الحياة تعني أن “مردنا” أن يكون لنا حظ سعيد في المرات القادمة.
لذلك في المرة القادمة عندما تلاحظ حدوث سلسلة أحداث متتالية – أكانت جيدة أم كانت سيئة – توقف وفكر. إذا لم يكن هناك سبب للاعتقاد بأن هذه الأحداث مترابطة، قاوم الرغبة في المبالغة في التفسير وتجنب تعليق أي معنىً أو أهمية عليها. تفهم العشوائية يمكن أن يخلصنا من القلق غير الضروري أو الأمل الكاذب، مما يسمح لنا بالتركيز على القرارات المبنية على ما هو حقيقي آو واقعي لا على ما هو غير حقيقي أو غير واقعي.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://journals.healio.com/doi/abs/10.3928/00485713-20090421-02
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/استقلال_(نظرية_الاحتمال)
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/مغالطة_المقامر
4- https://www.linkedin.com/posts/abdullahsahel_مغالطةخطأ-اليد-الساخنة-hot-hand-fallacy-activity-7087531665173966848-FbW6
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/روليت
6- https://www.lotterypost.com/thread/227113
7- https://www.quora.com/If-a-couple-already-has-two-sons-is-there-a-higher-chance-that-they-will-have-a-daughter-for-the-third-child
8- https://www.science.org/content/article/gamblers-fallacy-trips-goalies
9- https://www.tiktok.com/@spotupthree/video/7316703916513709344?q=hot hand basketball&t=1735374855641
10- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0022249615000814
11- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0014292121001240
12- https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/1750984X.2020.1830426
13- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S1469029206000240
14- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/26271767/
15- https://ar.wikipedia.org/wiki/جماحية
16- https://www.jstor.org/stable/2670288
17- https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1198/0003130042809
18- “توضح مغالطة الوهم العنقودي clustering illusion هذه كيف يبحث الناس عن أوجه التشابه، ويتجاهلون الاختلافات، دون الأخذ في الاعتبار العشوائية عند تحديد السبب والنتيجة، وبالتالي يصلون إلى نتيجة غير دقيقة. إذ تحدث هذه المغالطة عندما يميل الإنسان لرؤية أو حتى البحث عن أنماط في نتائج تكون عشوائية تماماً.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://hbrarabic.com/المفاهيم-الإدارية/مغالطة-قناص-تكساس/
19- “الاستسقاط هو محاولة ربط عدة أحداث أو أشياء منفصلة لا رابط يجمعها لتحميلها معنى جديدا ليس من أصل أي من الأحداث أو الأشياء نفسها كنوع من إضفاء الصفة العلمية أو المصداقية عليها أو إعطائها أهمية تفوق حجمها الحقيقي.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/استسقاط
المصدر الرئيس
https://theconversation.com/the-hot-hand-and-the-gamblers-fallacy-why-our-brains-struggle-to-believe-in-randomness-246244