أقلام

صاحب السجدة الطويلة

السيد فاضل آل درويش

لقد ورد في سيرة الإمام الكاظم (ع) أنه كان يطيل السجود لله عز وجل حتى أصبح يلقب بحليف السجدة الطويلة، فما الذي يعنيه ذلك وما يحمل معه من دلالات وفوائد يمكن اقتناصها؟

الإمام (ع) في سجوده يدل على أقوى وأعظم مظاهر العلاقة بالله عز وجل، ودون شك فإن لذلك السجود تجليات تنعكس على واقع الحياة وطريقة إدارتها، بما يتجلّى منها أبهى صور الإنسان المكرّم في عقله الرشيد ونفسه النزيهة عن شوائب الأهواء والشهوات المتفلتة، إنها مفردة من مفردات مفهوم التقوى والطهارة عن المحرمات والآثام، حيث يكون ذلك السجود خضوعًا تاما للإرادة الإلهية ونزاهة للجوارح عن مقارفة أي شيء من الخطايا، بل كان أداء حق نعمة الجوارح وبقية الأعضاء البدنية هو انقيادها لمحراب الطاعة والانقطاع إلى الرب الجليل، بعيدًا عن تفاصيل الحياة الدنيا والافتتان بزخرفها الزائل، فليس هناك من عاقل يشغل نفسه وفكره ووقته بتحصيل المطامع التي سيرحل عنها بل الحصيف يجعل الدنيا كبئر الماء يغترف منه بمقدار شربه دون أن تساوره المطامع .

وهذه السجده الطويلة تشير إلى ملكة العلم والمعرفة وتوظيفها في ميدان العمل، فلا فائدة من الزاد العلمي الذي لا ترى له أثرًا في حياة المرء وتصرفاته فضلًا عما تراه من توجه عكسي سلبي، كما أن ذلك التمكين لأعضاء السجود على الأرض يحمل مضامين الصبر على تحديات وصعوبات الحياة والاستعلاء على آلامها، فالخضوع لله تعالى يتسامى به نحو معالي الأمور تفكيرًا وسلوكًا ومنهجًا.

وهل يمكننا البحث عن أثر للسجود في علاقة الفرد بالله عز وجل والآخرين بنحو إيجابي؟

السجود لله عز وجل يتضمن ويجسد التواضع والخضوع أمام عظمة المعبود، فهي طريق لتهذيب النفس من الاغترار بالدنيا وارتداء الكبرياء وزهو النفس بسبب ما يتمتع به المرء من قدرات وأمكانات، فهذا السجود يذكره بالافتقار إلى المنعم عز وجل في كل حالاته وأنه سبحانه مسبب الأسباب لما يمتلكه ويتمتع به من نعم، كما أن هذا السجود مفاده التسليم لله عز وجل والرضا بقضائه في حال السراء والضراء، فإذا ما نزلت مصيبة أو مشكلة بالفرد قد ينزاح نحو التشتت الذهني والجحود بآلاء الله تعالى، ولكن الساجدين هم العارفون بقيمة هذا الدنيا الحقيقية، فهي إن كان لها من قيمة فهي تلك اللحظات التي يلوذ بها المرء بالسجود لله عز وجل مقبلًا عليه تعالى، دون أن تنخر الآلام والمصائب في نفسه وتصرفه عنا الاتصال بالله تعالى والأنس بذكره.

من مضامين السجود لله عز وجل هو تلك الراحة النفسية العجيبة المنبعثة من أثر الإحساس بالقوة في مواجهة التحديات والصعاب، فمن كان مع الله تعالى ويحرص على التزام خط العبودية المطلقة للرب الجليل، كما أن تلك الراحة النفسية تنبعث من بث الهموم للمعبود دون سواه والاستغاثة به للخروج من عنق الآلام والمشاكل، فالسجود لله تعالى يُكسب العبد الثبات والصمود في وجه الضيق والألم.

في السجود لله عز وجل درس عظيم في خضوع الإرادة وسلوك الجوارح، بما يتجلى على واقع المرء في حالة المحن والمصاعب، فيظهر ثباتًا وصمودًا في وجه البلاء والمشاكل وحسن إدارة الموقف بكل بسالة واقتدار وصمود في وجه أمواج البلاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى