أنوار البعثة المحمدية
السيد فاضل آل درويش
الدعوة المحمدية رسالة السماء نحو العباد ليأخذوا بحجزة طريق التكامل والرقي والحفاظ على كرامتهم، فكانت فحواها ومضامينها نهضة تنتشل العباد من قيود الأهواء وأغلال الشهوات، التي تسلخهم من إنسانيتهم النبيلة وترمي بهم إلى قاع البهيمية، وكان أهم أركانها الذي استهوى النفوس المتعبة ونال جاذبيتها هو مبدأ العدالة على كافة نواحيها وأبعادها بما يضمن للفرد حقوقه وينعم بالأمان والاحترام.
كما أن العقل الإنساني الذي كان منحرف البوصلة عقائديًا ومعرفيًا، تلقّى توجيها نحو البصير والوعي والتفكير التأملي وتسليط الأدوات المعرفية على المفاهيم والسلوكيات، وأما النهج الأخلاقي فقد استنار بتلك الإرشادات المحمدية للسير على خطى الفضيلة، وتجنّب صفات الرذيلة التي تكمن عندها تسويل النفس الأمارة بالسوء، فالظلمات والإساءات للنفس وللآخرين تجاوزتها النفوس المستنيرة بالضياء المحمدي الأصيل.
هذا التغيّر والتألق في المشهد ونفوس الناس وانتقالهم إلى نورانية التوحيد والبصيرة والفضيلة قد تمّ في وقت قصير على يدي أعظم وأفضل الخلق (ص).
ومن المهم النظر إلى مكونات الشخصية المحمدية وتفاعل الناس من حولها؛ ليتسنى لنا بعد ذلك التأمل فيها ومن ثَمّ تحويلها إلى مجموعة من السلوكيات ومفردات ومفاهيم مهمة في منهجنا السلوكي والتربوي على المستوى الفردي والمجتمعي، فحينما نتحدث عن تجليات ومضامين مناداة الرسول الأكرم (ص) بالأمين، فهذا يعني التصرف وفق قاعدة تنظر إلى مكارم الأخلاق كمخزون في الضمير الإنساني، فلا يكترث الفرد إلى ما حوله من المغريات ولا يستجيب إلى صوت المعاملات المحرمة أو الانتهازية المالية، ولم يكن مستوى تلك الفضيلة على النطاق العملي في حفظ الأموال واستيداعها عنده، بل كان المؤتمن والحصن الحصين لما يحدثونه به من خصوصياتهم، ولم تأت تلك الثقة عند زعماء قريش والذين يختلفون عقائديًا وفكريًا وسلوكيًا مع الصادق الأمين (ص) من فراغ، بل سمت الاستقامة ونزاهة النفس كانت تشهد له بها مواقفه في كل تعامل معه، وهذا ما يدعونا إلى التوقف ومحاسبة النفس وفق المباديء والقيم المحمدية، فهل نحن نسير على نهجه (ص) وما رسمه من خط أخلاقي وتربوي يظلل المجتمع بالتعاون والثقة، أم نحن بعيدون عن ذلك فلا يؤتمن بعضنا على القليل من المال أو بعض الخصوصيات، حيث ضميره في حالة سبات من الغفلة والجشع فلا يتألم لفعل الخيانة؟!
وفي سيرته التبليغية ودعوة الناس إلى التوحيد ومكارم الأخلاق دروس وعبر، حيث واجه الرسول الأكرم (ص) أشد ألوان الأذى والعدوان والتكذيب والحرب النفسية، فوقف بثبات وحكمة ولازم مبدأ الحوار وتحمل الإساءة والتزام مبدأ التسامح، فما أجمل هذه القيم إذا تحلى بها المرء في مواجهة تحديات الحياة والمشاكل الأسرية والاجتماعية، فنستحضر شخصية الرسول (ص) وقيمه ونهجه في حديثنا وحوارنا ومواقفنا بعيدًا عن التشنج والانفعالات الشديدة والزعل والخصومات.