بعيدًا عن التشنج من الرأي الآخر
السيد فاضل آل درويش
كيف يمكن لنا أن نحافظ على هدوء أنفسنا ونقاء قلوبنا من مشاعر الكراهية بسبب الاحتكاكات اليومية والحوارات المعتادة مع من هم في محيطنا الأسري والاجتماعي، فالضغوط النفسية وحالة التوتر والشحن الانفعالي الناجم من حالات تبادل الآراء ووجهات النظر دون الوصول إلى حالة الإقناع قد توتر العلاقات، فالبعض ينساق خلف مشاعره المتأججة والانفعال الذي يجتاح نفسه بقوة، فتتحوّل معه النقاشات إلى فتيل نار الفتنة والأحقاد والمشاحنات، ومن يعيش حالة التوازن والضبط النفسي ويحيا في إطار الحكمة ينظر إلى رأي الآخرين كفكر وزاد معرفي يحملونه ويعبّرون عنه أثناء تبادل الأحاديث، وعدم الوصول إلى حالة القناعة المشتركة تُعد أمرًا واردًا وطبيعيًا مرده لاختلاف الثقافات وطريقة إدارة الحياة، وهذا الاختلاف لا يستدعي التضخيم وخلق المشاكل واستعداء الآخر، مما يثير المخاوف من أي نقاش نستبق نتائجه و هي إثارة غبار الخصومات والضغائن، والموقف المتناسق مع التصالح مع الذات هو وضع الأمور في نصابها ومجراها دون أن يتحول إلى ملفات ضاغطة على الوجدان والمشاعر بنحو سلبي.
حالة الانفتاح الفكري والصفاء الوجداني تتمحور حولها حياة الإنسان المتوازن، فلا يسمح لمختلف الأحاديث أن تأخذ بعدها المتمادي من خلال الانشغال بها فكريًا وشعوريًا، وهذا لا يعني الإمعية وغياب الهوية الثقافية بقدر ما يعني الهدوء أمام الرأي الآخر، فلا يعني أن الاختلاف يأخذ بنا نحو بؤرة التوتر والكراهيات وتقطيع العلاقات، فالمخزون السلبي التراكمي من المشاعر السلبية تجاه الآخرين بسبب اختلاف في رؤى معينة يعني مرضًا يصيب القدرات الفكرية والروحية بالضعف والاستنزاف، فلك أن تتصوّر حالة المصاب بمشاعر الكراهية وحب الانتقام كيف تسلخه من القيم الإنسانية النبيلة وتتجه به نحو حلبة الصراعات ؟!
بينما نجد الفرد القادر على استيعاب حالات الاختلاف في الرؤى الثقافية والاجتماعية، بخلاف حالة الهدوء النفسي التي تعود عليه بالتركيز الذهني والجاذبية الاجتماعية، يستطيع أن يتحلى بالتسامح والتجاوز عن الهفوات الصغيرة والتغافل عن الأمور السهلة، وهذه المرونة الفكرية والاجتماعية تبعده عن شبح التعصب والتزمت ورفض فكرة التعايش مع من يختلف معه في بعض الرؤى، فكما نجد التنوع فيما حولنا في كثير من الأشياء والظواهر، فكذلك فكرة التنوع واختلاف الرؤى يؤسس لعلاقات تتصف بالرسوخ والاستقرار والفاعلية والانسجام، فليس ملزما بحمل مشاعر الكراهية وإرهاق نفسه بسبب اختلاف الآراء، فتقبل فكرة الاختلاف لا يعني التخلي عما يعتقد به بقدر ما هو وضع هذا الاختلاف في إطاره الطبيعي وتجاوزه دون حدوث شرخ في العلاقات.
ومتى ما وجد شخصًا لا ينسجم معه فكريًا أو سلوكيًا، ويجد أن فكرة تبادل الآراء وتجاذب أطراف الحديث معه لا تنسجم مع طبيعته أو لا يجدها تصب في مجرى الفائدة، فإنه ليس ملزمًا بالتواصل الفكري معه ولا يعني هذا القطيعة والخصومة، بل هو الانسحاب الهاديء للحفاظ على هدوئه وتوازنه النفسي، وهذا يعني الحكمة في وضع معايير للدائرة الضيقة التي ينجذب ويرتاح للتشاور والنقاش معها، وأما الدائرة المتسعة فيضع لها معيار الاحترام المتبادل ومتى ما تحوّل النقاش الساخن إلى ساحة مناكفة وصراع، تسامى بنفسه عن النزول إلى الغمز واللمز والضرب الكلامي تحت الحزام.
إننا أمام مشهد من النضج الفكري والنفسي الذي يحافظ على دائرة الهدوء الداخلي وضبط الانفعالات أمام المشادات والاختلافات في الآراء ووجهات النظر، فمجرد الاختلاف في الرؤى لا يعني الدخول في مسلسل من الخصومات والصراعات، فمن لا ننسجم مع طريقة تفكيره أو نقاشه نبتعد عن الدخول معه في معترك النقاشات العقيمة أو الساخنة.