ماذا في جُعبة الغد؟!
![](https://www.bshaer.net/wp-content/uploads/2024/04/IMG-20240415-WA0022.jpg)
السيد فاضل آل درويش
المخاوف مما ينتظرنا في مستقبل الأيام يعد شعورًا طبيعيًا وإيجابيًا، يدفع بالفرد نحو أخذ الحيطة والحذر من الوقوع في أوجه التقصير أو الخطأ بسبب الاندفاع والنشاط الزائد والأفعال المتسرعة وحرق الخطوات، والنتيجة النهائية ستكون في غير صالح صاحبها وسيبوء بالحسرة والندم المتأخر لعدم حصول أهدافه وآماله، ولكن المشكلة تكمن في تحوّل تلك المخاوف إلى هواجس وبعبع وقلق لا يفارق تفكيره، ليتحول إلى أغلال تشل حركته وتقعده في مكانه بعد أن يصيب عقله التشوش والحيرة في كيفية تجاوز هذا المطب أو تلك العراقيل، وشتان ما بين تلك النفس الساكن فيها الهدوء والطمأنينة والثقة والاستعداد لأسوأ الاحتمالات، وبين المصاب بالضعف النفسي والانفعالي فينهار أمام المشاكل التي تواجهه، ويصب نظره نحو فكرة التشاؤم والسوداوية وتصور المستقبل المخيف الذي لا يعرف ما يُخبّيء له من مصائب وأزمات.
التعامل مع الظروف الصعبة والأزمات هو مفتاح الحل لانقشاع ضبابية المستقبل والخوف من الوقوع في حفر لا مخرج لها، إذ وضع تصورات معينة لما يواجهه من متاعب وتحديات والتفكير في كيفية تجاوزها والمعالجات الممكنة لها مهما كانت النتائج، سيقلل من منسوب القلق المدمر من المستقبل لما يحمله من ثقة وأدوات معالج ونفس تمتاز بالتحمل والنفس الطويل لتحقيق المبتغيات والآمال، وأما التقوقع حول الذات ونفض اليدين عن الحلول والمقترحات والقرارات المناسبة هو ما يعصف بالنفس ويكسّر أشرعتها ويغرقها في بحر الأوهام والشكوك، وعدم معرفة ما يخبّيء الزمن لنا من أزمات لا يعني بالضرورة الاندفاع نحو التوتر والشحن الانفعالي السلبي، فأيًا كانت مسارات الأمور واتجاهها فإن أصحاب الإرادات والهمم لهم رأيهم وعملهم في شتى مجالات الحياة بما يتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم.
والخوف من الإخفاق في المستقبل بسبب تجارب سابقة تخصنا أو تخص الآخرين هو حصر لتفكيرنا باتجاه السلبية وتوقع الفشل المحدق بنا وكأنه لا خيار آخر تحمله الأيام معها، ووضع أي تجربة تحت مجهر الفحص والتفكير والعصف الذهني مع أصحاب الحصافة والخبرة، يجنبنا الكثير من الأخطاء وأوجه التقصير الذي وقع، ومهما كانت الضغوط الاجتماعية المحيطة بنا فلا ينبغي لها أن تخرجنا عن إطار الحكمة وضبط الأمور ووضعها في نصاب البحث عن أفضل السبل والوسائل.
والمخاوف من المستقبل المجهول قد تصيب البعض بالتردد في اتخاذ الخطوات القادمة والقرارات المناسبة درءًا للوقوع في المشاكل والأخطاء، وهذا بالتأكيد سيكون عامل هدم للطموحات والآمال التي يسعى لتحقيقها، والشخصية الوازنة تجري بحثا وتداولًا للعوامل ومجريات الأمور والأخطاء المتوقعة وكيفية التعامل معها، ومع الوصول إلى نقاط معينة يتخذ معها القرار المناسب والحاسم ويمضي في تنفيذه دون تردد، فالتكيف مع ظروف الحياة الصعبة وغير المؤاتية مع أهدافه هو الطريق الصحيح، فإن مجريات الأمور لا تكون على مبتغانا ولا تسير في فلك آمالنا.