ذاكرة العقاب (١)
رباب حسين النمر
كنا تلميذات صغيرات، كفراشات حقل تنتشر صباحًا في طريق المدرسة بجديلتين مضفرتين وبأطرافها شرائط بيضاء ناصعة، وبمريول مدرسي كحلي اللون. كنا نحمل شغفنا مع حقيبة المدرسة، وننتظر حلول اليوم الدراسي بلهفة. ننتظر وقت الفرصة لتجديد اللقاء بالصديقات ولنتشارك في تناول خبز الزعتر الساخن وعلب البيبسي البارد، أو سندوتشات الفلافل وعصير البرتقال. في الصف قد تتقاعس تلميذة أو أكثر عن أداء الواجب المنزلي، أو تؤجله، أو تنساه لسبب أو لآخر، ولم تكن المعلمة تسامح أو تتجاهل، بل كانت تعاقبنا بأساليب ألفتها المعلمات في ذلك الحين سواء كانت أساليب عقاب جسدية أو تشهيرية ومعنوية.
الشرائط وسيلة عقاب
كان تعليق الشرائط الملونة على ياقة التلميذة وسيلة ذات هدف مزدوج، فهي للتشجيع تارة، وللعقاب والتشهير تارة أخرى، فعندما تكون خضراء اللون فهي ترمز إلى انضباط سلوك التلميذة، وعندما تكون حمراء فهي ترمز لتفوق مستواها الدراسي، وعندما تكون بيضاء فهي ترمز لنظافة لباسها وبدنها. كانت التلميذة تفخر وتزهو بين رفيقاتها وزميلاتها عندما تعلق لها المعلمة على ياقتها تلك الألوان وتشعر شعورًا عارما بالفرح. أما اللون الأسود فيرمز إلى إهمال التلميذة وكسلها، فتكون مدعاة إلى سخرية الأخريات منها وضحكهن، في حين أنها تبكي وتنحدر دموعها على خدها حين تعلق لها المعلمة هذا اللون المشؤوم على ياقتها. كانت التلميذات بريئات، ويشعرن بالخوف والاحترام تجاه المعلمة ولذا لم يكن يجرؤن على نزع الشريط أسود اللون من ياقاتهن عند الخروج للفرصة حماية لأنفسهن من ضحكات السخرية ومن غمزات الزميلات المحرجة…. يتبع