أقلام

قراءة في معجم أعلام شعراء عبد القيس

عبد الله حسين اليوسف

قراءة في معجم أعلام شعراء عبد القيس، تأليف/محمد بن حسن الأصمخ، الطبعة الأولى:1443هــ / 2022 م (الجزء الأول)

جزء من المقدمة:

ولقد حاولنا أن نعرض مجموعة من الشعراء العبديين (عبد القيس) بين أيدي القراء والباحثين، حتى يسهل عليهم التعرف على تاريخ المنطقة وأدبائها في كتاب واحد. كان بنو عبد القيس أشعر القبائل وأخطبهم، وقد أنجبت قبيلة عبد القيس الكثير من الشعراء، وفي مقدمتهم أشهر شعراء القبيلة: طرفة بن العبد أحد أصحاب المعلقات، والمثقب العبدي عائذ بن محصن، والممزق العبدي شأس بن نهار والصلتان العبدي، الذي حكم بين جرير والفرزدق.

فبنو عبد القيس من قبائل ربيعة بن نزار الكبيرة، وتعود في نسبها إلى عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

وقبائل ربيعة شعبتان:

الأولى: لبكر بن وائل، وضمت بطونا مختلفة، مثل: بني عجل بن الجيم وقيس بن ثعلبة، وتيم بن ثعلبة، وسدوس، ويشكر، وذهل، وحنيفة وعنزة.

والثانية: كانت لعبد القيس، وقد ضمت بطونا، منهم: بنو محارب بن عمرو، وبنو عصر بن عوف، والعمور بنو عامر بن الحارث، وبنو الصباح بن لكيز، وبطونا أخرى.

والنسبة إلى هذه القبيلة العبدي، فيقال مثلًا: صعصعة بن صوحان العبدي، أو العبقسي، والمعروف بهذه النسبة أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس المكي العبقسي.

يذكر أن عبد القيس جاءت إلى هجر من تهامة وهي موطن قبائل ربيعة في جنوب الجزيرة العربية، ثم خرجوا منها إلى البحرين (الإحساء حاليا) فاستوطنوها، ولا يزال الكثير من أبناء الإحساء والقطيف في السعودية والبحرين ينتسبون لهذه القبيلة.

لقد استحوذت عبد القيس على معظم البحرين (هجر)، ولذلك عده بعضهم لعبد القيس، وقال الأخنس بن شهاب التغلبي:

لكل أناس من معد عمارة

عروض إليها يَلْجَؤُونَ وجانب

لكيز لها البحران والسيف كله

وإن يأتها بأس من الهند كارب

ومع بدء الفتوحات الإسلامية وإنشاء البصرة والكوفة هاجرت الكثير من القبائل العربية إلى هاتين المدينتين، وكانت عبد القيس من جملة من هاجر بعضهم إليها. كانت هجر القديمة عند ظهور الإسلام مأهولة بالسكان، بدليل كثرة ما فيها من القرى والعشائر، ويرجع ذلك إلى توفر المياه فيها، وخصوبة أرضها، ووقوعها على البحر، وكانت في هجر عند ظهور الإسلام كل قبائل عبد القيس، وعشائر من تميم ومن بكر بن وائل ومن الأزد، هذا إضافة إلى عناصر غير عربية كانت تقطن فيها وأهمهم الفرس، والزط، والسيابجة.

ومن المواقف التي سجلت لهذا القبيلة ثباتها على الإسلام في وقت ردَّة باقي قبائل هجر ودخولهم في حرب المرتدين، وقد ساهمت هذه القبيلة مساهمة كبرى في فتوحات الشرق، وكانت لها البصمة الكبرى في كل المعارك التي خاضها المسلمون في فتح العراق وبلاد فارس.

وكان لهذه القبيلة أيضًا مواقف وأدوار كبيرة ومهمة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فقد شايعت هذه القبيلة الخليفة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ووقفت معه وناصرته بكل بسالة وقوة في حروبه إبان خلافته في معركتي الجمل وصفين وغيرها.

وقد أشاد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بمواقف ربيعة معه ومناصرتها له في تلك الحروب، وقد قال في مقالة له عن ربيعة: (ربيعة درعي ورمحي )، وكان لذلك الدور المتفاني لربيعة في مناصرة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، العامل الكبير والمصيري في حياة وموقع هذه القبيلة في منطقة الجزيرة العربية، حيث دأب معاوية بن أبي سفيان بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام) على الانتقام ممن وقف ضده في نزاعه مع الإمام علي (عليه السلام)، وقد أصاب ربيعة القسم الأكبر من هذا الانتقام، فكان مصيرها مثل مصير الكثير من القبائل الأخرى التي اتخذت الموقف نفسه، فتمت ملاحقتها وتشريدها من قبل بني أمية، وتعرضت للاضطهاد والتنكيل علاوة على منع بيت مال المسلمين عنها وعن أراملها وأيتامها ممن استشهد مع الإمام علي عليه السلام ضد الأمويين.

وقد تفرقت ربيعة في أماكن عدة في الدولة الإسلامية، فمنها الهجرات القديمة المذكورة آنفًا، وهي العراق والشام ومنها من خرج من هجر، وهي الواقعة في شرق بحر الخليج من جنوب البصرة حتى عُمان، حيث استمر تعاقب مواطن القوى في جزيرة العرب وعلى ذلك فقد ضعفت منعة بعض القبائل على مواطنها واضمحلت أقاليمها في القرون الأخيرة، فقد أخذت الهجرات تتوالى إلى مناطق أخرى في التاريخ الحديث، وهي الهجرات الثانية من هجر بجزرها وقطيفها، وهذه الهجرات ضمت الكويت في بداية نشأتها وجنوب العراق ومنطقة عربستان وسوف نأتي على ذكر هوية هذا القسم المهم من أبناء قبيلة ربيعة الذي يرجع نسب أكثرهم إلى عبد القيس وتغلب بن ربيعة والذين ارتبط اسمهم بإقليم هجر .

الإشارة إلى مدى تعلق العبديين بالبحر وشغفهم به وإجادتهم لخوضه وركوب أهواله أينما ذهبوا، وقد ترك هذا الأسلوب في العيش والمهارة في هذا المجال الأثر الكبير والإيجابي في موارد العيش وتسخير العوامل الاقتصادية في المجتمعات التي عاشوا فيها.

يرجع نسب العبديين الجغرافي كما أسلفنا إلى هجر القديمة، وهذا ما يفسر تعلقهم بالبحر واعتمادهم عليه كمصدر رزق، إضافة إلى ذلك فقد كان للزراعة نصيب كبير أيضًا في حياتهم على اعتبار أن توارثهم لتلك المهارات يرجع إلى موطنهم الأصلي في الأحساء والقطيف والبحرين (أوال)، وقد تأصلت تلك المهارات بوجود النشاط الزراعي والينابيع في إقليم هجر وانقسام أهلها ما بين العمل بالبحر والعمل بالزراعة.

على أي حال فإن تلك المهارات والإقبال على نوعية النشاط الاقتصادي عند عبد القيس تحدده البيئة التي يعيشون فيها، ذلك أن العبديين في الكويت كانت تركز عملها على البحر وصناعة السفن، حيث أن بيئة الكويت تعد بيئة غير زراعية على خلاف الأحساء والقطيف والبحرين التي تتوافر فيها الأراضي الزراعية والنخيل والمياه الوفيرة، إضافة إلى النشاط البحري، ولكن في كل الأحوال فإن ما يجمع العبديين ويصبغ هويتهم أينما كانوا هو حبهم للبحر ومهارتهم في صناعة السفن.

قد اشتهرت عبد القيس بالرماح الخطية، وأكبر صفة مميزة لهذه الرماح أنها من النوع الأسمر، وورد ذكرها كثيرًا في شعر الجاهليين فعامر بن الطفيل يقول فيها:

وأسمر خطي وأبيض باتر

وزعف دلاص كالغدير المثوب

أما الصناعة التي قامت في أرض عبد القيس، فهي صناعات عديدة وأشهرها:

الأسلحة: صنعت عبد القيس الأسلحة والمعدات الحربية الضرورية هجومية ودفاعية كالرماح والدروع وصدرتها إلى أنحاء الجزيرة العربية، وكانت إحدى مدن خط عبد القيس هي التي تقوم بصنع الرماح ولذا دعيت بالخطية نسبة إلى تلك المدينة.

وقد اختلف في المقصود بالخطية أو الخط فالأصمعي يقول:(الخطية جزيرة في البحرين، ترفأ إليها السفن من الهند)،والفيروز آبادي يذكر أن الخطية مرفأ بالبحرين تباع فيه الرماح، ويرى ابن سيده أن الخطية مرفأه السفن بالبحرين، وقيل: هي قرية في البحرين كانت السفن ترفأ إليها في القديم، ويقول صاحب لسان العرب: الخط أرض تنسب إليها الرماح الخطية قيل وهو خط عمان، وقال أبو منصور: وذلك السيف كله يسمى الخط، ومن قراه القطيف والعقير وقطر.

أولًا: إنَّ مكانًا في خط عبد القيس – ولعله الخطية هو الذي كان يبيع الرماح.

ثانيًا: وهذا المكان مرفأ شهير، ترفأ إليه السفن وهي تحمل القنا لتثقف الرماح وتصنيعها.

العرب: الخط أرض تنسب إليها الرماح الخطية قيل وهو خط عمان، وقال أبو منصور: وذلك السيف كله يسمى الخط، ومن قراه القطيف والعقير وقطر.

ثالثًا: سكان هذا الخط من العبديين هم الذين يقومون بتثقيف الرماح وصناعتها ثم بيعها.

موصفات الرماح الخطية:

◾ الرماح الخطية طويله (فحاتم الطويل يصف الرماح الأسمر بأنه يربو على عشرة أذرع.

◾الرماح الخطية السنان، متوقدة الظباة.

◾الرماح الخطية لينه، سهلة النفاذ، سريعة الاختراق.

◾الرماح العبدية أسنتها بيضاء وأعاليها قوية حادة وأسافلها شديد صلبة.

أما أنواع الرماح فهي:

1 – الخطية، 2 – الردينية، 3 – السمهرية، 4 – الخرصانية.

فالخطية هي الرماح التي تحدثنا عنها وذكرنا أنها سمراء، ملساء لينة، صلبة الطعن، حادة السنان، طويلة، متقنة الصنع.والردينية نسبة إلى امرأة كانت تقوم الرماح بالخط في البحرين وذكرت الخنساء الرماح الردينية وهي ترثى أخاها صخرًا فقالت:

وَلَمْ يَعْدُ فِي خَيلٍ مُجَتَبَةِ القَنا

لِيُرْوِيَ أَطرافَ الرُّدَينيةِ السُّمْرِ

والسَّمْهرية نسبة إلى سَمْهَر، وهو زوج رُدَيْنَة، أما الخرصانية فنسبة إلى خرصان، وهي قرية بالبحرين تباع فيها الرماح.

وهذه الرماح كلها من صنع العبديين لعدة أسباب أهمها:

إنَّ الرماح الردينية سمراء، وأن ردينة امرأة من الخط فهي من سكان عبد القيس وزوجها سمهر، وكان الاثنان يثقفان الرماح ويبيعانها، والخرصان بلد في البحرين، وهذه الأنواع تختلف عن غيرها من الرماح الهندية لقول الشاعر:

بأَيديهِمُ سُمْرٌ شِدَادٌ مُتونها

من الخط أو هندية أحدثت صقلا

ومن أنواع الرماح وأصنافها وموادها الخام جاز لنا أن نعتقد أن الخط (أو الخطية) احتل مركزا هاما في صناعة الرماح. ومن أدلة اهتمام العبديين بهذه الأسلحة وصناعتها أن أسماء شخصياتهم جاءت من الصقل والتثقيف، كما في مصقلة بن رقبة، ويؤكد الدباغ أن صناعة الرماح اشتهرت في قطر.

والعبديون أمة حرب، يستخدمون الرماح من أسلحة الهجوم أكثر من غيرها، فالرمح سلاح الفرسان والصعاليك، ذكره الشعراء مقترنًا بخيولهم لعروة بن الورد يتحدث عن رمحه الخطي الأسمر، وجواده الشهير:

وأسمر خطي القناة مثقف

وأجرد عريان السراة طويل

وإلى جانب الرماح من الأسلحة الهجومية صنع العبديون الدروع من الأسلحة الدفاعية، وتروي الأخبار أن الحطمة بن محارب من عبد القيس هو الذي كان يصنع الدروع، وسميت حطمية نسبة إليه، وتذكر بعض المصادر أنه الحطم بن محارب، بينما يرى البكري أنه هزير بن زيد من بني شن وأنه من مدينة الخط في البحرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى