التهيؤ الروحي

السيد فاضل آل درويش
ورد عن الرسول الأكرم (ص): شعبان شهري ورحم الله من أعانني على شهري)(بحار الأنوار ج ٩٤ ص ٧٩).
تشير الحكمة النبوية إلى مبدأ الزخم والتراكم الروحي الإيماني الذي ينطلق من باب الاستعداد والتهيؤلقطف ثمار ميدان العبادات والأعمال الصالحة في هذه المواسم العبادية التي يغيب عن ساحة العمل فيها والتنافس على قطافها أصحاب الغفلة وضعف الهمة والمنصرفة قلوبهم نحو متاع الدنيا الزائل، وكما تفوته هذه الفرصة الاستعدادية الثمينة كذلك ستمر من بين يديه فرصة شهر التوبة والمغفرة والكرم الإلهي في شهر رمضان فهذا الغافل تغيب عن حساباته الوقوف بين يدي الله تعالى.
مبدأ الاستعداد الروحي هو جانب من جوانب التهيؤ لاقتناص الفرص في حياة الإنسان وتحويلها إلى مكتسبات في سجل إنجازاته، وواحة الشهر الكريم وما يحمله من جوائز سنية وخيرات لمن أحسن صيامه متحليًا بالتقوى والخوف من الله تعالى هي الفرصة التي يغتنمها، ولا يمكن للغافل أو صاحب الإرادة الضعيفة أن يستقي من مناهل الشهر الكريم الروية وهو يعيش حالة السبات الروحي والتهذيبي، ولذا فساحة شهر شعبان تمثل مرحلة التمهيد والتهيؤ لرحلة جهاد النفس والعمل الصالح.
ومن العوامل المساندة في رحلة التغيير الإيجابي والقرب من الله تعالى، هو تذكر أن هذا شهر شعبان كان ميدان الرسول الأكرم (ص) للانقطاع إلى الله تعالى والتقرب إليه بمختلف العبادات والمناجاة، وخصوصًا الصوم فيه يعد بداية ومرحلة للاستعداد الروحي في شهر رمضان الكريم، فشهر شعبان يعد مرحلة ما قبل البداية والانخراط في الأجواء الرمضانية الإيمانية، فيدخل الفرد في دورة مبتدأة يتدرب فيها على الصيام وبقية العبادات حتى تتعود نفسه وتستوطن محراب العبادة، فليس من المعقول أن نتصور الدخول المفاجيء للشهر الكريم والفرد في أعلى درجات الإقبال والهمة العالية والنشاط، دون أن يسبق ذلك استعداد وتهيئة عبادية يتمرس فيها ويتدرب حتى يتأقلم معها مع بداية شهر رمضان.
وهناك دعوة محمدية لمن شارك وتفاعل مع الأجواء العبادية في شهر شعبان ونفض عنه غبار الغفلة والتكاسل وهنيئًا لمن استجاب لها، والأمر لا يقتصر على الصوم وإن كان هو العنوان الأبرز والطاعة المشتركة بين شهري شعبان ورمضان، إلا أن الدعوة لعمل الخيرات يشمل ألوانها المختلفة كالانفتاح على حاجات الآخرين وتقديم المساعدة لهم من خلال الصدقات، كما أن روح التكاتف والتعاون بين أفراد المجتمع تتجلى بأبهى صورها في الانخراط بتحسس احتياجات وهموم الآخرين والمسارعة لتخفيف الأعباء عنهم، وما أجمل أن يحمل المرء النداء المحمدي العبادي في شهر شعبان، فيدعو الآخرين للتواصي بالحق والفضيلة وتشمير السواعد لتلاوة القرآن الكريم والتهيئة الأخلاقية بما يليق وشرف ومكانة شهر الله المعظم.
عمل الخير ومحراب العبادة لا يمكن الدخول فيه فجأة دون أي تهيؤ، بل هو عمل تراكمي مستمر تنبني من خلاله حلائل الإيمان في النفس وتترسخ، كما أن تنزيه القلب من أدران الذنوب والتوجه إلى ساحة التوبة والبداية التغييرية نحو الرجوع إلى طاعة الله تعالى، تحتاج هذه البداية إلى استعداد في شهر شعبان كمقدمة للدخول بثوب إيماني نقي في شهر رمضان.