أقلام

جدل بين خبراء السموم حول مقدار أدنى جرعة سامة للبشر من المواد الكيميائية الصناعية المنتشرة في البيئة

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

كتب المقدمة غسان علي بوخمسين، صيدلاني أول، جونز هوبكنز

المقدمة:

الجرعة الآمنة والجرعة السامة في علم السموم: فهم المبادئ والتطبيقات

علم السموم (toxicology) هو العلم الذي يدرس الآثار الضارة للمواد الكيميائية، تحديد الجرعة الآمنة والجرعة السامة يعتبر من أهم جوانب هذا العلم. يُستخدم هاذان المفهومان لحماية صحة الإنسان والبيئة من التعرض للمواد الكيميائية الضارة.

مفهوم الجرعة السامة والجرعة الآمنة

الجرعة السامة (toxic dose): هي الحد الأدنى من المادة الكيميائية التي تُسبب تأثيرات ضارة أو مميتة عند التعرض لها. تُقاس الجرعة السامة عادةً باستخدام الجرعة المميتة الوسطية LD₅₀)) (وهي الجرعة المميتة لنصف عدد الكائنات الحية الموجودة في العينة (1)). مثلًا، LD₅₀ لمادة السيانيد المميتة الإنسان ≈ 1.5 ملغ / كغ، مما يعني أن جرعة صغيرة جداً منه تُسبب الوفاة. أماLD₅₀ لمادة الكافيين المميتة للإنسان ≈ 150 – 200 ملغ / كغ (مما تعتبر جرعة عالية نسبياً).

الجرعة الآمنة (Safe Dose)

الجرعة الآمنة هي الكمية التي يمكن أن يتعرض لها الكائن الحي دون حدوث تأثيرات ضارة. تُحدد الجرعة الآمنة بناءً على دراسات السمية وتُعبر عنها بمصطلحات مثل، مستوى التأثير الضار غير الملاحظ ( NOEL). الجرعة اليومية المقبولة (ADI) (3) طوال الحياة دون ضرر. مثلًا، ألـ ADI لملح الطعام (كلوريد الصوديوم) ≈ 5 غرام / يوم للراشدين (عشرين سنة وأكبر)؛ ولذا جرعة أعلى من ذلك قد تُسبب ارتفاع ضغط الدم.

مبادئ تحديد الجرعة الآمنة

المنحنى البياني للعلاقة الجرعة بالاستجابة (4) يبين العلاقة بين كمية المادة الكيميائية (الجرعة) ومدى تأثيرها البيولوجي (الاستجابة). أما الجرعة الحدية وهي أقل جرعة تُسبب تأثيراً ضاراً مثلًا، الجرعة الحدية لمادة الرصاص ≈ 10 ميكروغرام / ديسيلتر في الدم (والجرعة التي أعلى من هذا الحد تسبب تلفًا للأعصاب). تُستخدم عوامل الأمان لمراعاة الاختلافات بين الأفراد والأنواع.

الاختلافات الفردية

تختلف حساسية الأفراد للمواد الكيميائية بناءً على جينات وسن الشخص وحالته الصحية، لذلك، بعض الناس بناءً على جيناتهم يستقلبون المواد بسرعة أعلى. أما الأطفال فهم أكثر حساسية بسبب عدم اكتمال نمو الكبد والكلى. وبسبب حالتهم الصحية، مرضى الكبد أو الكلى يجدون صعوبة في إزالة السموم من أجسامهم.

تحديد الجرعة السامة

تُستخدم الجرعة المميتة الوسطية LD₅₀ لتقييم السمية الحادة. مثلًا، LD₅₀ للزرنيخ ≈ 15 – 30 ملغ / كغ (وهذا يعني أن جرعة قليلة جداً تُسبب الوفاة). أما LD₅₀ للـ إيثانول (الكحول) ≈ 7 غرام / كغ (وهذا يعني أن الجرعة لابد أن تكون عالية نسبياً لتسبب الوفاة).

أما الجرعة المزمنة السامة التي تُسبب ضرراً عند التعرض لها لفترات طويلة. مثلًا، الجرعة الآمنة لـ الزئبق ≈ 0.1 ميكروغرام /. كغ / يوم، بينما التعرض المزمن لجرعات أعلى منه يُسبب تلف الأعصاب.

تطبيقات على الأدوية

الجرعة الآمنة من الباراسيتامول (أسيتامينوفين) المستخدم لعلاج الصداع ≈ 4 غرام / يوم للراشدين (20 سنة وأكبر). أمّا الجرعة السامة التي تبلغ تقريبًا 150 ملغ /كغ تُسبب تلف الكبد.

التحديات الحديثة

الجرعات المنخفضة المزمنة لبعض المواد (مثل بيسفينول أ المنتشرة في البيئة) جرعات منخفضة جداً منها تُسبب تأثيرات هرمونية. مثلًا، بيسفينول أ بجرعة 0.025 ميكروغرام / كغ / يوم قد يُسبب اضطرابات في الغدد الصماء. أما بالنسبة لتأثير الخليط الكيميائي، فقد تتفاعل المواد الكيميائية معاً بشكل تآزري، مما يجعل تحديد الجرعة الآمنة أكثر تعقيداً. مثلًا، خلط مبيدات حشرية مختلفة قد يُسبب سُمية أعلى من المتوقع.

بالنسبة لمواد النانو، فجزيئات النانو قد يكون لها سُمية مختلفة بسبب صغر حجمها وزيادة تفاعلها البيولوجي. مثلًا، جزيئات الفضة النانوية قد تُسبب تلف الخلايا بجرعات منخفضة.

خلاصة القول، تحديد الجرعة الآمنة والجرعة السامة يُعتبر عملية معقدة تعتمد على فهم العلاقة بين الجرعة والاستجابة، ومراعاة الاختلافات الفردية بين الناس، واستخدام عوامل أمان لحماية صحة الإنسان. مع تطور العلم، أصبحت هناك حاجة لمراجعة الحدود الآمنة باستمرار، خاصة مع ظهور مواد جديدة مثل مواد النانو والمواد الكيميائية الأبدية (PFAS)

بعد كل هذه التعقيدات والتحديات التي تعتري تحديد الجرعة الآمنة والسامة، تصبح المقولة الشهيرة للطبيب السويسري باراسيلوس والتي صمدت لمدة خمسة قرون وكانت من أشهر المقولات في هذا العلم (الجرعة هي التي تحدد السمية) غير دقيقة وعفا عليها الزمن، نظراً لوجود مواد لها آثار سمية بتراكيز منخفضة جداً.

ينبغي التنبيه الى ان تغيير الجرعة الآمنة والسامة للمواد الكيميائية بتراكيز أقل من السابق بكثير فيه حماية للصحة والبيئة وهذا أمر مطلوب ومهم، ولكنه مكلف جداً اقتصادياً وصعب التطبيق عملياً، وهذا يتطلب المزيد من بدل الجهد لتقليل الاعتماد على المواد الحالية المسببة للتلوث، ولا ينبغي اغفال المخاطر المحتملة من تلويث البيئة بالمواد النانوية، والتي لم تكن معروفة سابقاً.

التقرير المترجم

1-الحساسية الهرمونية [وهي استجابة الجسم المتغيرة للظروف الطبيعية]: حتى الاختلافات الطفيفة في تعرض الجنين للهرمونات أثناء تطوره المبكر في الرحم قد تؤثر بشكل كبير في السلوك والفسيولوجيا والصحة. المواد الكيميائية كمادة بيسفينول أ (BPA) التي تحاكي الهرمونات الطبيعية تعتبر مثيرة للقلق بشكل خاص بسبب تأثيرها الخفي في التنمية البشرية.

2- التحليل لمعرفة تركيزات المواد الكيميائية وتقييم مخاطرها: لقد مكّن التقدم في الكيمياء التحليلية من الكشف عن المواد الكيميائية الخطرة بتركيزات منخفضة جدًا. لكن هناك جدل حول أهمية هذه التركيزات المنخفضة، حيث يزعم بعض خبراء السموم أن نماذج الاستجابة للجرعة التقليدية قديمة. عفا عليها الزمن ولا تأخذ في الاعتبار التأثير البيولوجي للتعرض لجرعات منخفضة منها.

3- صعوبات اللوائح التنظيمية لهذه المواد: الاختبارات التقليدية للسمية (تركيزات المواد السامة في عينة ما)، المصممة لمعرفة التأثيرات الشديدة الخطورة، قد لا تستطيع الكشف عن التأثيرات الخفية وطويلة الأمد للتعرض لجرعات منخفضة التركيز من المواد الكيميائية. وقد أدى هذا إلى خلافات بين خبراء السموم في القطاع الصناعي والباحثين الأكاديميين بشأن مدى كفاية المناهج التنظيمية الحالية والحاجة إلى طرق اختبار جديدة.

المواد الكيميائية التي تتداخل مع جهاز الهرمونات، والمعروفة باسم المواد الكيميائية التي تتداخل مع الغدد الصماء، مثيرة للجدل بشكل خاص. تسلط هذه الورقة الضوء على المخاوف بشأن الانتشار الواسع النطاق لمثل هذه المواد الكيميائية في البيئة وتأثيراتها التراكمية المحتملة، فضلاً عن الصعوبات في تقييم مخاطرها وتقنين استخداماتها.

كشفت دراسات أجريت على أجنة فئران في رحم أمهاتها في سبعينيات القرن الماضي أن الاختلافات الطفيفة في التعرض للهرمونات يمكن أن تؤثر سلباً في الثدييات في مرحلة نمو مبكرة (وهي لا زالت أجنة). تقول لورا فاندنبرغ Lura Vandenberg، باحث في الصحة البيئية في جامعة ماساتشوستس، أمهرست في الولايات المتحدة: “إذا كان توأم فأر [في الرحم] له خصيتان (أي ذكر)، فإنه يتعرض لقدر أعلى قليلاً من هرمون التستوستيرون مقارنة بما لو كان للتوأم مبايض (يعني لو كانت أنثى).” وتضيف لورا أن هذه التأثيرات كان لها آثار عميقة في السلوك والفسيولوجيا والشكل الظاهري – وفي بعض الحالات – بقاء وصحة الفئران.

أنثى الفئران التي لديها توائم إناث في نفس الرحم تميل أن تكون أكثر جاذبية للذكور من الأنثى الواقعة بين توائم ذكور. ومع ذلك، لو تم وضع فأرة أنثى بين اثنين من الذكور، فإنها تصبح أكثر عدوانية وأقل جاذبية. “لقد عرفت هذه الظاهرة منذ 20 عامًا.” تقول فاندنبرغ: “لا زلت مهتمةً بهذا الأمر.” “نحن نتحدث عن اختلافات في تركيز بالغ الانخفاض لهذه المواد الكيميائية يصل إلى جزء من المليار أو من التريليون، وهي الاختلافات التي أُعدت الثدييات للاستجابة لها.”

فريق البحث ليس قلقًا بشأن جاذبية الفئران لبعضها؛ ولكن الفريق مهتم بفحص كيف تتمكن المواد الكيميائية أن تختطف جهاز الهرمونات (الغدة الدرقية) شديد الحساسية وتؤثر في صحة الإنسان. تعمل الهرمونات الطبيعية على الأنسجة الجنينية والأجنة بتركيزات تعادل ملعقة صغيرة من الماء في حجم حمام سباحة أوليمبي. والقلق هنا هو أن المواد الكيميائية التي تحاكي هرمون الاستروجين، مثل مادة الـ بيسفينول أ (BPA) سيئة السمعة، تؤثر بشكل خفي في نمو الإنسان خلال مرحلة حياته الجنينية. مثل هذه المحاكاة لا تكون دائمًا بنفس قوة الهرمون الطبيعي، مما يثير الجدل حول العلاقة السببية (السبب والنتيجة) للتعرضات الواقعية لهذه المواد الكيميائية.

الجرعة أو مقدار السمية

مهمة تحديد مدى سمية مادة كيميائية ما تقع على عاتق خبراء السموم والجهات التنظيمية الحكومية. بسبب التحسن الذي شهدته الكيمياء التحليلية على مدى العقد أو العقدين الماضيين، اكتُشفت تركيزات بالغة في الانخفاض من المواد الكيميائية الخطرة في البيئة وفي البشر. “بفضل الكيمياء التحليلية اليوم، أصبح بالإمكان اكتشاف كميات من هذه المواد بتركيزات منخفضة جدًا بشكل لا يصدق. ولكن ماذا عن تأثير تلك التركيزات البالغة في الضآلة؟ يقول جون أودونوغيو John O’Donoghue، خبير السموم وأستاذ مساعد في جامعة روتشستر بالولايات المتحدة: “ربما تأثيرها غير معتبر، في كثير من الحالات”.

ويضيف أن هذه القدرة التحليلية تؤثر في الرأي العام فيما يتعلق بالتعرض للمواد الكيميائية: “لو اكتشفت مادة خطرة في مكان او شيء ما، فهذا خبر سيئ”. ويبدأ الناس بالشعور بالقلق حين تنشر تقارير إعلامية بخصوص اكتشاف مادة كيميائية خطيرة جديدة في المحيط البيئي، على سبيل المثال، في مصادر المياه التي يشربون منها. ولكن التخلص من كل الملوثات الموجودة في مياه الشرب عملية مكلفة جدًا، كما أن أهميتها قد لا تكون معتبرة. لا يتفق الخبراء مع أودونوغيو؛ هناك حجج ترد على الحجج، التي طرحها أودونوغيو، تقول إن العمل التقليدي المتمثل في النظر إلى التركيزات التي تبلغ أجزاء من المليون هي تركيزات قد عفا عليه الزمن، وأن التركيزات المخففة جدًا لها أهمية في علم البيولوجيا. يقول توماس زويلر Thomas Zoeller، أستاذ علم الأحياء الفخري بجامعة ماساتشوستس في أمهرست بالولايات المتحدة: “إن مفهوم ما هو منخفض مفهوم متحيز بسبب تاريخنا في عدم قدرتنا على قياس التركيزات المنخفضة جدًا.”

يمكن تحليل مادتي البيرفلوروألكيل والبولي فلورو ألكيل PFAS)) في دم كل شخص تقريبًا، ويقال إن مستويات تركيزهما الواقعي في البيئة أعلى مما يُعتقد. وهذا مهم لأن هذه “المواد الكيميائية الأبدية (التي لا يمكن التخلص منها (1)) ” قد قُرنت باحتمال عالٍ للإصابة بسرطان الكلى، ونمو أطفال رضع منخفض، استجابة أجسام مضادة مُثَبطة (مناعة ضعيفة) لدى الراشدين والأطفال. لقد استغرق الأمر بعض الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة، حيث وافقت شركة M3 الأمريكية مؤخراً على دفع أموال لموردي مياه الشرب العامة مقابل التلوث.

من المفترض أن هناك مستوى آمن. ويقول أودونوغيو إن خفض تركيزات مادتي الـ PFAS المنخفضة بالفعل في مياه الشرب بشكل أكثر سوف يكون مكلفًا بشكل بالغ بالنسبة للحكومات ودافعي الضرائب. ويقول أودونوغيو عن حدود التركيزات المنخفضة الجديدة التي فرضتها الحكومة الآمريكية: “ستكون من الصعب على محطات معالجة مياه الصرف الصحي تلبية اللوائح التنظيمية الجديدة والوصول إلى حدود التركيزات المنخفضة قبل تصريف المياه في ظل التكنولوجيا الحالية.” “بالنسبة لبعض الناس، الجرعة (التركيزات) الوحيدة المقبولة من هاتين المادتين هي صفر، وبالنسبة للكثير من المواد الملوثة لا يمكن تحقيق ذلك الحد من التركيز.”

الهدف من الوصول إلى صفر تركيز لهاتين المادتين لا جدوى منه، وفقًا لعلم السموم في الكتب الجامعية. القول المأثور التقليدي المقبول من قبل خبراء السموم هو أن الجرعة هي التي تحدد سمية المادة، وهو القول المنسوب إلى باراسيلسوس Paracelsus، وهو طبيب سويسري ولد في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي. ولا تزال فلسفته معتبرة. “لابد أن يكون هناك حد أدنى لا تكون المادة تحتها سامة. ويقول جيمس بريدغز James Bridges ، خبير السموم في جامعة ساري بالمملكة المتحدة ومؤسس الجمعية البريطانية لعلم السموم: “لو لم يكن الأمر كذلك، لكنا جميعاً في عداد الموتى.” ويرى آخرون أن الفلسفة التي تقوم عليها الكثير من دراسات علم السموم غير مناسبة للعصر الحديث، بالرغم من تاريخها الذي يمكن تبريره والدفاع عنه. ويقول زويلر: “إن مفهوم الجرعة هي التي تحدد السمية مفهوم عفا عليه الزمن ويجب التخلص منه في لغتنا العامية المحلية.”

مصدر من خارج النص

1- https://www.syr-res.com/article/24479.html

المصدر الرئيس

https://www.chemistryworld.com/features/low-concentration-chemicals-spur-toxicological-debate/4020828.article

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى