بشائر الوطن

الأحساء في تدوين المؤرخ المختص

طالب البقشي

تتسم الكتابة المختصة بأنها تتعمق بتفاصيل المعلومات في موضوع مادة البحث وتطرق جوانبه الجزئية، ولكنها لا تتوسع ولا تتشعب في موضوعات أخرى فهي مبصرة في محتوى البحث المستهدف وعمياء وتجهل الكثير من الجوانب الأخرى المختلفة للموضوع.

بخلاف الاتجاه والكتابة الموسوعية فهي تتبع منحى التوسع الأفقي في كل أتجاه للمعرفه بعيدًا عن احتمالية التسطيح ونقص العلوم أو الأنغماس في الاختصاص الذي يهمل الإلمام بأي شيء خارج نطاق الاختصاص.

وشكل التحول في الكتابة الموسوعية إلى الكتابة الاختصاصية مرحلة انتقالية من العلم التقليدي الذي يحبذ الموسوعية إلى العلم العصري الذي يشترط الاختصاص مرحلة متطورة مما دفع الكثير من الكتاب ومدوني التاريخ لخيار الكتابة المختصة وهو اتجاه يحد ويؤطر المعارف المتوسعة ويدفع للاستعانة بأدوات بحث تؤدي لتسطيح الثقافة الفردية والانزلاق في الاختصاص وتحويله إلى سمة لا تجيد إلا صنعة واحدة.

وفي ظلّ الاختصاص المعاصر رصد تحوّل في مفهوم ” العلوم المعاصرة ” التي فرضتها تطوّر العلوم الحديثة وتوسعها المتسارع مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، حيث صار بإمكان المختص أن ينجز في التقنيات العلمية إنجازات جديدة من المعارف المتقدمة والمتسارعة لم تتحقق في زمان انتشار تجاه العلوم الموسوعية.

وقد أشارإيفان إليش في كتابه (مجتمع بلا مدارس) إلى أنّ أخطر ما في النظم التعليمية الحديثة أنّها مبنية على مبادئ ” الامتيازات الهرمية “، ذلك أنّ الذي يقضي زمنًا أطول في النظم التعليمية الاختصاصية ويحصل على شهاداتها يتبوأ مكانة أرقى في المجتمع وفي سوق العمل بمعنى أن الاختصاص متعلق بالصعود الهرمي الذي يعطي الامتياز لمن يصعد أسرع من غيره.

وضمن التوجه العلمي المختص والكتابة في مجالها فأن أحد الإشكالات التي تثار على المؤرخ المختص أن معلوماته مختصة ومحدده في جانب معين فلا يمكنه أن يجيب على تساؤلات في جوانب تاريخية مختلفة عن موضوعات الاختصاص لعدم اطلاعه عليها وقيل فاقد الشيء لا يعطيه.

ويمكن معالجة هذه الإشكالية من خلال الانطلاق من الاختصاص كقاعدة معرفية، والانفتاح على العلوم والمعارف الأخرى باعتبارها مسانده للأصل الاختصاصي إذ لا يكون الإنتاج المعرفي الموسوعي بغير اختصاصٍ دقيق، والأتجاه لقراءات خارج الاختصاص توسّع المدارك وتثري القرائح بآفاق واسعة للمعرفة.

وفي دائرة الكتابة المختصة فقد كتب الكثير من الباحثين والمؤرخين المختصين عن تاريخ الأحساء الكثير من الكتب المختصة وشملت هذه التدوينات المجالات الأقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والبيئية الأدبية.

فمن هذه الكتابات المختصة القديمة عن تاريخ الأحساء ما كتب في عام1955م للكاتب «فيدركو شمد فيدال» في كتابه “واحة الأحساء” ويتضمن الكثير من التفاصيل الاجتماعية والاقتصادية والآثار لمنطقة الاحساء، وفي بداية الستينات الميلادية صنف الكاتب محمد العبدالقادر مؤلف “تحفة المستفيد” عام 1960م، وكتب علي ابن المقرب العيوني ديوان ابن المقرب وشكل أحد المصادر القديمة المهمة والرئيسة لتاريخ المنطقة.

وفي عام 1988م صدر كتاب منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ لمؤلفه خالد جابر الغريب، وفي عام 1989م صدر كتاب صفحات من تاريخ الأحساء ويتضمن مقالات تتحدث عن الأحساء في بعض أدوارها التاريخية لكاتبه عبد الله بن أحمد الشباط، وفي عام 1992م صدر كتاب الحياة الإدارية في سنجق الإحساء العثماني (1871-1913) لمؤلفه محمد حسن العيدروس، وكتاب تاريخ الأحساء السياسي «1818 – 1931» للدكتور محمد عرابي، وكتاب الإدارة العثمانية في متصرفية الأحساء «1288 – 1331 هـ/ 1871 – 1913م» للدكتور محمد بن موسى القريني، وكتاب من وثائق الأحساء في الأرشيف العثماني للدكتور سهيل صابان، وكتاب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إقليم الأحساء «1288 – 1331هـ/ 1871 – 1913م» للدكتور حمد محمد القحطاني.

وفي عام 2002م صدر كتاب ” المختار من الأمثال الشعبية في الاحساء ” للكاتب إبراهيم بن عبدالمحسن آل عبدالقادر، وصدر عام 2003م كتاب “الشعر الحديث في الأحساء، 1301-1400 هـ” للدكتور خالد بن سعود الحلبي، ونشر عام 2017م كتاب الأحساء ذاكرة التعايش للدكتور محمد الغامدي، وصدر عام 1431هـ كتاب ” نبع الذاكرة ” للكاتب مساعد الشعيبي ويتضمن رصد للحالة الاجتماعية والاقتصادية في الأحساء خلال الفترة 1340 / 1390هـ – 1920 / 1970م. وكذلك صدر عام 1431هـ كتاب مدينة الهفوف للدكتور محمد جواد الخرس ويتضمن مدخل حضاري لدراسة مظاهر الحياة في مدينة الهفوف بمحافظة الأحساء، وكتابي جواثى تاريخ الصمود وهجر وقصباتها الثلاث للكاتب عبد الخالق الجنبي، وكتاب ماضي القارة وحاضرها للكاتب أحمد العيثان، وكتاب أحسائيون مهاجرون للشيخ محمد الحرز، وكتاب تاجر الأحساء إبراهيم بن صالح المهنا «1316 – 1397هـ» تأليف يوسف بن عبد العزيز المهنا.

وفي نطاق الكتابة المختصة صدر حديثًا كتاب ” الأحساء كما شاهدها الغربيون” وتضمن دراسة عن الأوضاع الاجتماعية والصحية في الأحساء كما جاءت في كتب الرحالة والمستكشفين الغربيين 1331-1373هــ/ 1913-1953م” للكاتبة العنود محمد الخليف، وكتاب ” من الذاكرة الأحسائية” ويتضمن صفحات من تراث الأحساء في القرن العشرين للكاتب أحمد البقشي، وكتاب ” قرامطة الأحساء بين واقعية الحدث ونمطية التوصيف ” قراءة تحليلة نقدية لوصف الأحساء للمؤلف حسين الملاك، وكتاب أعلام الأحساء في القرن الثالث عشر تأليف عبدالله الذرمان، وكتاب ” المعجم الإثنوغرافي للمصطلحات الدارجة في البيئة العمرانية التقليدية في الأحساء للدكتور سعيد بن عبدالله الوايل، وكتاب ” الطبابة والأوضاع الصحية في الأحساء” ويتضمن ملامح تاريخية للكاتب محمد علي الحرز، و” قاموس الأمثال والكلمات السائرة في الاحساء” إصدار جديد للمهندس للمهندس عبدالله الشايب ويضم 8 أجزاء. هذه نماذج للكتابة المختصة القديمة والحديثة عن الأحساء ولا يتسع المقام لذكر جميع الإصدارات المختصة عن في هذا المقال.

وختامًا نشير إلى أن الاتجاه المختص والكتابة المختصة لا تغني من أن يسعى المؤرخ لتوسيع اطلاعه وقراءاته واكتساب المعارف التاريخية المتنوعة، والانطلاق من الاختصاص كقاعدة معرفية إلى تحقيق القدر الممكن من الموسوعية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى