جوهر الإنسان إنجازه

السيد فاضل آل درويش
ورد عن أمير المؤمنين (ع): (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)(نهج البلاغة الحكمة ٢١).
ما هو المدار وتلك الأسس التي من خلالها يمكن تحديد معالم التألق والتفوق والنجاح في شخصية الإنسان؟
دون شك، إن المعايير تتعدد اتجاهاتها ومفاهيمها بحسب النظرة إلى الحياة وفلسفتها، فالبعض يرى النجاح والسعادة فيما يمتلكه من أسباب القدرة والوجاهة كالأموال أو الانتماء إلى الأنساب العريقة، والحقيقة أن الشرف والمكانة الاجتماعية ترجع إلى عوامل داخلية وذاتية تتعلق بشخصية الإنسان ومداركه الفكرية وتصرفاته على أرض الواقع، فلن يثبّت وجوده ويضرب جذوره في أرض التفوق والتقدّم إلا قدراته الخاصة ومدى توظيفها في طريق الخير والمعروف، فما يشار له بالبنان هو الجهد المتميز الذي بذله وتظهر منه بصماته الشخصية في طريقة تفكيره وعمله، وأما المكانة النسبية والانتماء إلى أسماء عريقة في سلسلة عائلته فلا يعني شيئًا، بل سيكون رقم الصفر في الشمال أمام الأرقام العديدة إذا كان ضعيف الهمة متكاسلًا، فمنظومة القيم الأخلاقية والهمة العالية في ميدان العمل هي سمات الشخصية المتميزة والمتفوقة، ومتى ما أدرك الفرد حقيقة معايير تقييم الإنسان استطاع بعدها أن يخطط ويتصرف وفق نظرة صائبة، بدلًا من تضييع الأوقات والخلود إلى التكاسل والتقوقع حول الأحلام الوردية، فالمعادلة الذهبية تشير إلى قيمة الإنسان وحجمه بقدر همته وعمله الجاد في ميدان مفتوح على مصراعيه لمن يرغب في تحقيق ذاته.
وما يتعلق بهذا المعيار في التفاضل والتمايز وهو العمل والإنجاز، مفهوم الاحترام والتقدير الحقيقي بعيدًا عن كلمات المجاملة المقيتة أو تملق المتلونين اجتماعيًا، فمن أراد أن يحظى بالاحترام لشخصيته فلينطلق من نفسه ويعزز قدراته وإمكاناته عندما يلتحق بركب العمل وميداته، فالنجاح بيد الفرد ويمكنه أن يحقق آماله وطموحاته حينما يقوي إرادته ويعمل جاهدًا على تعزيز زاده المعرفي والثقافي ويوظّفه في ميدان العمل.
فالفكرة المطرحة هي تقييم الفرد ذاته من خلال النظر إلى عمله وتقدمه وتخطيه المراحل المتعددة التي يرسمها، وكذلك من خلال انفتاحه على المساهمة المجتمعية وتعزيز وجود و قدرات الآخرين في المجال الذي يناسبه، فالتأثير الإيجابي فيمن حوله مظهر من مظاهر الاقتدار والمكانة العالية، فيكون له دور بارز في التخفيف من أعباء الحياة وهمومها عن الآخرين، ومساعدتهم على تحقيق طموحاتهم بما يمتلكه من رؤى وأفكار وأعمال.
المكانة الحقيقية للفرد تنبثق مما يحمله من قدرات وإمكانات يوظفها في ميدان العمل المثابر والإنجاز، وهذا مما يحسّن كفاءة واقتدار الفرد وسعيه الحثيث نحو التقدم والتطوير لتحقيق مكانات متقدمة وعالية، فالعمل لوحده وليس الإرث العائلي هو ما يحذو بطموحات الإنسان للانتقال من مرحلة إلى أخرى سعيًا نحو الكمال وبلوغ القمم العالية، فعندما يقف أمام مرآة النفس ويتفحص إنجازه وموارد إخفاقه أو تقصيره، يقوده ذلك نحو تحسين العمل الذي يقوم به ويغدو في حاضره أفضل بكثير من ماضيه، ويتطلّع إلى مستقبل تزينه مجموعة الأهداف التي يسعى لبلورتها على أرض الواقع.