أقلام

نظرية جديدة عن كيف وصل الماء لأول مرة إلى الأرض

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

بقلم كوينتين كرال، الفيزياء الفلكية في مرصد باريس، المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، جامعة السوربون، جامعة باريس سيتي

عندما تشكلت الأرض أول مرة، كانت كوكبًا حارًا جدًا بحيث لم تتمكن من أن تحتفظ بالجليد عليها (مما يعني أنه في ظل هذه الحرارة لا يمكن أن يكون هناك جليد على سطحها). وهذا يعني أن كل المياه الموجودة على كوكبنا لابد أنها جاءت من مصادر من خارج الأرض. الدراسات التي أجريت على صخور فلكية قديمة أفادت بأن الماء السائل كان موجودًا على الأرض بأبكر من 100 مليون سنة تقريبًا بعد تشكل الشمس – أي من ناحية عملية، حدث “مباشرة” بعد تشكلها لو أحتسبنا هذه المدة على المقياس الزمني الفلكي. هذا الماء، البالغ من العمر الآن أكثر من 4.5 مليار سنة، يتجدد على الدوام من خلال دورة الماء (تحول الماء من حالاته السائلة والبخارية والمتجمدة) على سطح الأرض (1). وقد اقترح فريق البحث الذي يعمل معي مؤخرًا نظرية جديدة لتفسير كيف وصل الماء أول مرة إلى الأرض.

سر قيد التطور من مليارات السنوات

ظل علماء الفيزياء الفلكية يتصدون منذ عقود للإجابة على سؤال عن كيف وصل الماء إلى كوكبنا الأرضي الشاب نسبيًا. تشير إحدى أقدم الفرضيات إلى أن ماء الكرة الأرضية كان نتيجة ثانوية مباشرة لتكوِّن كوكب الأرض، وانبعث عبر صهارة (ماغما) (2) أثناء انفجارات بركانية، حيث كان معظم الغاز المنبعث منها بخار ماء.

ولكن هذه الفرضية نشأت في تسعينيات القرن العشرين بعد تحليل تركيبة الماء على الأرض واكتشاف الدور الممكن للمذنبات الجليدية (3) في وصول الماء إلى الأرض، مما يشير إلى أن أصل الماء خارجي عن كوكب الأرض. المذنبات، وهي خليط متكون من جليد وصخور تشكلت على مسافة بعيدة جدًا في النظام الشمسي، في بعض الأحيان تُقذف نحو الشمس. وعندما تُسخن الشمسُ المادة الجليدية، تتحول إلى ذيول غبار وغاز مذهلة بالإمكان مشاهدتها بالعين المجردة من الأرض. كما اقتُرحت الكويكبات (4) الواقعة في حزام الكويكبات (5) بين المريخ والمشتري مصدرًا محتملًا للماء على سطح الأرض.

دراسة صخور المذنبات والكويكبات عن طريق دراسة النيازك – وهي أجزاء صغيرة من هذه الأجرام سقطت على الأرض – وفرت رؤىً رئيسة. ومن خلال تحليل نسبة الديوتيريوم إلى الهيدروجين المألوف (D/H)، وجد الباحثون أن ماء الأرض تتطابق بشكل كبير مع مياه الكويكبات “الكربونية (6)،” التي تحمل آثار المياه السابقة. وقد أدى هذا إلى تحويل التركيز في هذا البحث باتجاه هذه الكويكبات.

الصورة: حزام الكويكبات يقع بين المريخ والمشتري، في حين يمتد حزام كايبر (7) إلى ما بعد كوكب نبتون.

ركزت الدراسات الحديثة على معرفة الآليات الفلكية التي ربما أدت إلى توصيل هذه الكويكبات الغنية بالماء إلى سطح الأرض الجاف في مراحل تكوٍُن الارض المبكرة (الآرض القديمة والتي ترجع إلى أول مليار سنة من تكونها في النظام الشمسي (8)). وقد برزت نظريات كثيرة لتفسير “اضطراب” الأجرام الفلكية الصغيرة (9) (كويكبات مصغرة planetesimals) في مدارها – وهي أجرام جليدية كبيرة في حزام الكويكبات وحزام كايبر. تقترح هذه السيناريوهات تفاعلات جاذبية بين هذه الأجرام أدت إلى إزاحة هذه الأجرام عن مكانها، ما أدى إلى اندفاعها نحو الأرض. مثل هذه الأحداث كان من شأنها أن تتطلب عملية “جاذبية بيلياردية gravitational billiards” وهي ان جاذبية الأرض تؤثر في حركة هذه الأجرام (10)” المعقدة، مما يشير إلى تاريخ مضطرب للنظام الشمسي.

بالرغم من أنه من الواضح أن تشكُّل الكواكب قد انطوى على اضطرابات وتأثيرات كبيرة، من الممكن أن يكون توصيل الماء إلى الأرض قد حدث بطريقة أكثر طبيعية وأقل دراماتيكية.

فرضية أبسط

لقد بدأتُ بالافتراض أن الكويكبات تخرج متجمدة (جليد) من شرنقة تكوينها، والتي تعرف أيضًا باسم القرص الكوكبي البدائي. هذه الشرنقة هي عبارة عن قرص ضخم غني بالهيدروجين ومملوء بالغبار، حيث تتشكل الكواكب والأحزمة البدائية. وهي تغلف بشكل كامل النظام الكوكبي الناشئ جديدًا. وبمجرد تبدد هذه الشرنقة الواقية – بعد بضع ملايين السنين – ارتفعت درجة حرارة الكويكبات، مما تسبب في ذوبان الجليد أو، على وجه التحديد، تسامي الجليد (التسامي هو تحول الجليد إلى بخار بدون المرور بالحالة السائلة). في الفضاء حيث يكون الضغط الجوي قريبًا من الصفر، يبقى الماء في شكل بخار بعد عملية التسامي هذه.

قرص من بخار الماء يشكل طبقة على حزام الكويكبات الذي يدور حول الشمس. وعندما يتسامى الجليد، يمتلئ القرص بالبخار، الذي ينتشر نحو الشمس بسبب العمليات الديناميكية المعقدة. وفي طريقه، يلتقي قرص البخار هذا بالكواكب الداخلية، ويغمرها بنوع من “حمام ماء.” بطريقة ما، يقوم القرص “بسقي” كواكب النظام الشمسي؛ المريخ والأرض، والزهرة، وعطارد. وقد حدثت معظم عملية السقي هذه بعد 20 إلى 30 مليون سنة من تكوِّن الشمس، خلال فترة وجيزة زاد فيها سطوع الشمس بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة معدل التغزية (ازالة الغازات المحتبسة) من الكويكبات.

الصورة: رسم توضيحي خطوة بخطوة لنموذج جديد لانتشار الماء على الكواكب الداخلية للنظام الشمسي، بما فيها الأرض. بعد خمسة ملايين سنة من ولادة الشمس، تطلق الكويكبات الموجودة في الحزام الرئيس بخار الماء بسبب الطاقة الشمسية. وينتشر هذا البخار تدريجيا إلى النظام الشمسي الداخلي، ليغلف الكواكب في نهاية المطاف، التي تجتذب جزءً منه لتشكل المحيطات بعد فترة تتراوح بين 10 إلى 100 مليون سنة. 

بمجرد أن ينحبس الماء بسبب قوة الجاذبية لكوكب ما، فمن الممكن أن تحدث العديد من العمليات. أما على الأرض، فهناك آلية وقائية تضمن بقاء الكتلة الإجمالية للماء ثابتة نسبيًا منذ نهاية فترة حبس الماء وحتى اليوم. إذا ارتفع الماء إلى مستويات عالية في الغلاف الجوي، فإنه يتكثف في صورة سحب، والتي تعود في النهاية إلى سطح الأرض على شكل أمطار – وهي العملية المعروفة بدورة الماء (1).

كميات الماء الموجود على الأرض، سواء السابقة أو الحالية، موثقة بشكل جيد. نموذجنا الحوسبي، الذي يبدأ بالتغزية من الجليد من حزام الكويكبات، نجح في حساب كمية الماء اللازمة لتكوين المحيطات والأنهار والبحيرات، وحتى المياه الجوفية داخل وشاح الأرض. القياسات الدقيقة لنسبة الـ دوتيرون إلى الهيدروجين D/H لماء المحيطات أيضًا تتماهى مع نموذجنا. علاوة على ذلك، يوضح النموذج كميات الماء الموجودة في الماضي على الكواكب الأخرى – وحتى الموجودة على القمر.

ربما تتساءل كيف توصلت إلى هذه النظرية الجديدة. أتى ذلك نتيجة للرصد الأخير، وخاصة ذلك الذي أجري باستخدام ALMA، وهي مجموعة من التلسكوبات الراديوية التي أنشئت على هضبة بارتفاع خمسة كيلومترات فوق مستوى سطح البحر في تشيلي وتتكون أكثر من 60 هوائيًا، كشف الرصد الذي أجري على الأنظمة خارج المجموعة الشمسية ذات الأحزمة المشابهة لحزام كايبر (7). الكويكبات المصغرة في هذه الأحزمة تسامي أول أكسيد الكربون (CO). بالنسبة للأحزمة الأقرب من نجمها، مثل حزام الكويكبات، أول أكسيد الكربون متطاير (متبخر) جدًا بحيث لم يبق منه شيئ، ومن المرجح أن ينبجس (ينبعث) منه الماء.

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/دورة_الماء

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/صهارة

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/مذنب

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/كويكب

5– https://ar.wikipedia.org/wiki/حزام_الكويكبات

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/كوكب_كربوني

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/حزام_كايبر

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/الأرض_المبكرة

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/كوكب_مصغر

10- https://depts.washington.edu/uwmxl//wordpress/wp-content/uploads/2017/05/WXML-Final-Report-Gravitational-Billiards.compressed.pdf

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/a-new-theory-explains-how-water-first-arrived-on-earth-246516

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى