شهر رمضان وصقل النفس

السيد فاضل آل درويش
شهر رمضان الكريم تتفجّر منه جوانب البركة والخيرات والجوائز، ومن تلك الفوائد هو تهيئة الفرصة للوقوف أمام مرآة النفس لصقلها بالفضائل والمكرمات وتخليتها من الرذائل والنقائص التي لحقت بها، عملية التطهير النفسي والنزاهة من شوائب الخطايا وأوجه التقصير تتم من خلال التأمل في النفس بموضوعية والبحث عن النقائص والعيوب .
والصوم وبقية ألوان العبادة تعزز الجانب الروحي والمعنوي وتقوي الإرادة في طريق الخير وتجنب منزلقات الآثام، وباب التوبة تقرعه المذكرات والمنبهات في الشهر الكريم من خلال التدبر في الآيات القرآنية والأجواء التبليغية والمعرفية، مما يخلق روحية الاعتراف بالخطأ والعمل الجاد على تصحيحه والتحرك مجددًا بعد التطهر والتخلص منه، فتقييم النفس وانكشاف نقاط الخطأ والضعف عند الإنسان تهيئة للترقي والتقدم في عالم التكامل الأخلاقي والتربوي و الارتقاء الروحي، فحينما نعيش الأجواء الرمضانية بحق وجدية وتفاعلية مع موسم دُعينا فيه إلى التخلص من شوائب الشهوات، نتقدم لخطوات في طريق تعزيز القيم والتفكير الواعي والخطوات الهادفة والمدروسة قبل التقدم في طريق العمل.
هل طرحنا على أنفسنا تساؤلًا جوهريًا وعميقًا يتعلق بمستوى علاقتنا بالله تعالى وما صاحبها من فتور وبعد أو ضربات زعزعتها؟
الشهر الكريم فرصة سانحة لتقييم علاقتنا بالخالق ومدى استعدادنا للقائه يوم القيامة، فكم من إنسان استطاع اغتنام هذه الفرصة وقام بعملية استدارة واستفاقة من حالة الغفلة وعاد إلى طريق الحق والخير.
ضبط النفس أمام المغريات والرغبات المادية وعدم الانسياق خلفها بخطى عمياء هو جوهر الصوم الأخلاقي، فالقدرة على الإمساك عن المفطرات خلال الدورة التدريبية في شهر رمضان، تهيئ الإنسان للانطلاق في ميادين الحياة مزودًا بالبصيرة والإرادة القوية للتوقف أمام الشهوات والأهواء، وفرصة لتحسين السلوكيات والأفعال والعلاقات مع الآخرين، فبؤرة الانفعالات الشديدة والاستجابة للاستفزازات والإساءة من الآخرين هي روح الانتقام وتحقيق الانتصارات الوهمية بسبب الدخول في صراعات طاحنة، والشهر الكريم يفتح الباب أمام التصالح مع الذات وتلبية الاحتياجات الروحية وتجنب مواطن التوتر، فالتسامح والتغافل عن الهفوات تتعزز بسبب الأجواء الروحية في شهر رمضان، مما يسمح للإنسان بتعزيز قدراته وإمكاناته كالصبر وروح التحمل ونزعة حب الخير والمعروف والرقة في القلب.
والصوم ليس لا يقتصر في عملية الضبط على الأكل والشرب، بل يراد منه عملية التحكم والضبط أمام شهواته فلا ينساق خلفها دون دراية بالنهايات والمآلات، فقوة الإرادة تمانع الاستجابة للرغبات الدنيئة وتزيين الشيطان الرجيم.
كما أنه فرصة للتحرر من الأنا وحب النفس المغالى فيه؛ لينطلق في رحاب العمل على تلبية حاجات الآخرين وتلمّس آلامهم، فهذا الجوع والعطش الذي يشعر به لساعات معدودة يعاني منه الفقراء بسبب شظف العيش وقلة الحيلة، فيتعمق في نفسه الشعور بالآخرين والرحمة بالضعفاء منهم وتقديم المساعدة بحسب إمكاناته.
شهر رمضان فرصة ذهبية لا تعوّض للعودة إلى الفطرة وتطهير النفس من أدران الشهوات والافتتان بالدنيا، ويتيح لنا مساحة من التأمل والتفكير الإيجابي والبحث عن معالم التغيير الإيجابي، فمائدة العبادات وأعمال الخير فيه تعزّز روح التقوى والخوف من الله تعالى وتنمّي المانعة في الضمير الواعي.