تحرير العقول من أسر التكنولوجيا

حسين حسن الحاجي
في عصراً أصبحت فيه التكنولوجيا السيد المطاع والمحادثات الإفتراضية بديلاً عن اللقاءات ، نجد أنفسنا أمام واقعاً مؤلماً حيث تحول الدفء العائلي إلى إشعارات وصارت المجالس التي كانت عامرة بالود والنقاش مجرد غرف صامتة يحدق أفرادها في شاشاتهم ، وكأنهم مسافرون في عوالم متباعدة رغم جلوسهم جنباً إلى جنب .
لم يكن هذا ما أردناه عندما رحبنا بالثورة الرقمية ولم يكن هذا ما كنا نحلم به عندما إنطلقت وسائل التواصل الإجتماعي لتقرب المسافات فمع الأسف لم تكتفي بتقريب البعيد بل أبعدت القريب وأحالت العلاقات إلى صيغاً باردةاً خالية من الروح والعمق .
كيف خرجنا عن المسار :
لقد بدأ الأمر ببساطة من خلال رسائل تسهل التواصل ومكالمات تغني عن السفر فهناك مجموعات تعج بالنصوص والصور ثم شيئاً فشيئاً أصبح التفاعل الحقيقي ترفاً وصار اللقاء الحي أمراً مؤجلاً وصارت العلاقات تدار عبر أزرار بلا حرارة وبلا إحساس وبلا حياة ولكن هل هذا قدر محتوم وهل علينا أن نستسلم لهذا الواقع دون مقاومة ، بالطبع لا .
خطوات عملية لإستعادة الحياة الحقيقية :
( 1 ) إعادة تعريف وترتيب الأولويات : فليس كل رسالة تحتاج إلى رد فوري وليس كل محادثة على الواتساب أهم من حديث عابر مع من يجلس بقربك ، لنعد ترتيب أولوياتنا فالناس أولى من الأجهزة والوجوه الحقيقية أحق بالإهتمام من الصور الرمزية .
( 2 ) تحديد أوقاتاً لا مكان فيها للشاشات : لنجعل هناك أوقاتاً مقدسة خالية من الأجهزة مثلاً : عند تناول الطعام ، في المجالس العائلية ، أثناء الخروج مع الأسرة ، فلنجعل من هذه اللحظات فرصاً لإعادة التواصل الحقيقي بعيداً عن إدمان الشاشة .
( 3 ) الدعوة إلى نشر ثقافة الجلسات الحية : نستعيد فيها ذكريات الماضي الجميل عندما كانت المجالس زاخرة بالحكايات والضحكات والنقاشات وعندما كان التواصل عفوياً غير مشروط بوجود شبكة إنترنت ولنرتب لقاءات منتظمة مع الأهل والأصدقاء بلا هواتف وبلا أجهزة ، فقط أرواح تتلاقى وتتحاور .
( 4 ) القدوة في التعامل مع التكنولوجيا : لا يمكننا أن نلوم أبناءنا على غرقهم في الأجهزة بينما نحن أنفسنا لا نرفع أعيننا عن هواتفنا ، لنتعلم كيف نكون قدوة في إستخدام التكنولوجيا بوعي فنعلمهم بالمثال قبل الكلام .
( 5 ) تعزيز الأنشطة البديلة: بدلاً من الإنشغال بالرسائل والمحادثات السطحية فلنوجه طاقاتنا وطاقات أبنائنا إلى ما هو أكثر نفعاً : القراءة ، الرياضة ، الزيارات العائلية ، الأعمال التطوعية فجميعها بدائل تعيد للحياة رونقها وللأرواح بريقها .
( 6 ) تثقيف أنفسنا وأبنائنا حول مخاطر الإدمان الرقمي: يجب أن نفهم أن التكنولوجيا ليست شراً مطلقاً لكنها تصبح وباءاً إذا فقدنا السيطرة عليها فلنعلم أبناءنا كيف يستخدمونها بوعي دون أن تصبح سيدة حياتهم أو محددة لعلاقاتهم.
ختاماً : واقعاً نحن نحتاج اليوم قراراً شجاعاً لمستقبل أكثر حميمية قبل أن يصبح اللقاء حلماً والدفء ذكرى والندم متأخراً فلسنا ضد التكنولوجيا ولسنا ضد وسائل التواصل لكننا ضد أن نتحول إلى أسرى لها وضد أن نخسر إنسانيتنا في مقابل عالم إفتراضي
لا يغني عن الحقيقة ، نعم حان الوقت لنستعيد حياتنا فلنحيي علاقاتنا ولنكسر هذا الحاجز الوهمي الذي صنعناه بأيدينا ولنرفع أعيننا عن الشاشات ولنمد أيدينا لبعضنا البعض ولنجعل قلوبنا تنبض مجددا بالحب الحقيقي
لا برسائل إلكترونية جامدة .