عهدٌ جديد مع الله وإصلاحٌ للعلاقات الإنسانية

أحمد الطويل
مقدمة: فجرٌ جديد بعد رمضان
الحمد لله الذي جعلنا من أتباع محمدٍ وآل محمد، وصلى الله على أئمة الهدى الذين أضاءوا لنا طريق الحق! لقد ودعنا شهر رمضان، شهر المغفرة والرحمة، ونستقبل أيامًا مشرقةً بعد عيد الفطر، أيامًا يجب أن تكون “ثورة إيمانية” على كل ما يفسد قلوبنا وعلاقاتنا.
فكما جددنا عهدنا مع الله بالصيام والقيام، يجب أن نجدد عهدنا مع إخواننا بالعفو والتسامح، وننقذ علاقاتنا من براثن “التعصب الأعمى” و”الغيرة المميتة” و”الإصرار على الباطل”، فهذه أمراضٌ قاتلة حذر منها القرآن وأهل البيت عليهم السلام.
التسامح سلاح الأقوياء
القرآن يصرخ فينا: “اعفوا تصفو قلوبكم!” قال تعالى {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} (النور: 22). فكيف تطلب المغفرة من الله وأنت ترفض أن تغفر لعباده وقال سبحانه {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}، (البقرة: 237). فالتسامح ليس ضعفًا، بل هو “أعلى درجات القوة”، كما قال الإمام علي عليه السلام “إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرًا للقدرة عليه”.
أهل البيت (ع) يعلّموننا فن “تحطيم الكبرياء”
قال الإمام الصادق عليه السلام “ثلاثةٌ هن فخر المؤمن: الصفح عمن ظلمه، وإعطاء من حرمه، والصبر عند المصيبة”. فهل أنت من هؤلاء الأبطال؟ أم أن كبرياءك يمنعك من أن تكون عظيمًا؟
التعصب والغيرة أمراض الجاهلية التي تهدد أسرنا
القرآن يحذرك “لا تكن كالجاهليين!” قال تعالى {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} (الفتح: 26). فالحمية العمياء والغيرة المفرطة ليست من الإسلام، بل هي من “أخلاق الجاهلية”! وقال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: 6). فكم دمّرنا بيوتًا بسبب كلمةٍ سمعناها ولم نتثبت؟!
الغيرة تقودك إلى الهاوية!
قال أمير المؤمنين عليه السلام “إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق”. والطلاق ليس سقفًا للكارثة، بل قد تدفع الغيرة الزوجة أو الزوج إلى “الجنون” أو “الانتحار”! وقال الإمام الصادق عليه السلام “من تعصب أو تُعصب له، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه”. فهل أنت مستعد لخسارة إيمانك من أجل رأيٍ خاطئ؟!
مقارناتٌ هدامة لماذا تقتل سعادتك؟
القرآن يخاطبك “كفى بنفسك عليك حاسِبًا!” قال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ (النساء: 32). فلماذا تنظر إلى ما عند غيرك وتنسى نعم الله عليك؟
أهل البيت عليهم السلام يفضحون “وهم الكمال”
قال الإمام علي عليه السلام “من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه”. فكيف تشتكي من زوجك أو صديقك بينما أنت تمارس نفس العيوب؟!
كيف تبني حياتك من جديد؟
خطوات عملية من القرآن وأهل البيت عليهم السلام والمجتمع يمكن تلخيصها في عدة نقاط منها: حاسب نفسك قبل أن تُحاسب. كما قال الإمام الكاظم عليه السلام “ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم”.
لا تكن كالمنافقين، قال تعالى {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ؟ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ} (الصف: 2-3).
تخلَّص من “أنا على حق دائمًا”. قال الإمام الصادق عليه السلام “الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل”.
أصلح ولا تُفسد. قال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (الحجرات: 10).
الخلاصة:
إن الالتزام العملي بالقيم والمبادئ ليس رفاهية بل ضرورة أخلاقية ودينية، خاصة لمن لهم تأثير في المجتمع. فالله وأهل البيت عليهم السلام والمجتمع يرفضون أشد الرفض من يقول شيئًا حسنًا ويعمل عكسه. والطريق للخلاص من هذه الآفة يبدأ من محاسبة النفس، وصدق الالتزام، والتواضع أمام الله والناس، والعمل الصامت الذي يكون أبلغ من آلاف الكلمات.
أين موقعك في ساحة التغيير؟ يا من تبحث عن السعادة. هل ستظل أسير التعصب والغيرة؟ أم ستكون”بطل التسامح” كما أرادك الله وأهل البيت عليهم السلام؟
تذكّر: التسامح “ينقذك من النار، والتعنّت “يحرق” حياتك. المقارنة “تسرق” فرحتك. فاختر لنفسك، إما “العبودية لهواك”، وإما “الحرية بطاعة الله”!
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله رب العالمين.