أقلام

لماذا لا نتذكر أحداث مرحلة طفولتنا المبكرة بعد أن كبرنا؟ دراسة جديدة تفيد بأن “فقدان ذاكرة مرحلة الطفولة” قد تكون مشكلة استرجاع ليس إلّا

المترجم : عدنان أحمد الحاجي

بالرغم من أننا نتعلم (نكتسبّ) الكثير خلال السنوات الأولى من حياتنا، لا نتمكن، كراشدين، تذكر أحداث محددة من تلك الفترة. لقد اعتقد الباحثون منذ فترة طويلة أننا لا نتذكر هذه الأحداث لأن منطقة الدماغ المسؤولة عن الاحتفاظ بهذه الذكريات – وهي منطقة الحصين – لا تزال في طور التطور والنمو خلال فترة المراهقة ولا يمكن أن تقوم بترميز الذكريات [الاكتساب الأولي للمعلومات وتخزينها كذاكرة واسترجاعها (1، 2) ] في سنواتنا الأولى من الحياة. لكن دراسة جديدة من جامعة ييل Yale وجدت دليلًا على أن هذا ليس هو الحال.

في الدراسة، عرض باحثون من جامعة ييل على أطفال رضع صورًا جديدة واختبروا لاحقًا ما إذا كان هؤلاء الرضع يتذكرونها. عندما كانت منطقة حصين الرضيع أكثر نشاطًا حال مشاهدة الصورة لأول مرة، كان من المحتمل أن يتعرفوا على تلك الصورة لاحقًا.

تشير نتائج الدراسة (3)، التي نشرت في 20 مارس 2025 في دورية العلوم Science، إلى أن الذكريات يمكن تشفيرها (1، 2) بالفعل في أدمغتنا في السنوات الأولى من حياتنا. ويتناول الباحثون بالدراسة الآن ما يحدث لتلك الذكريات بمرور الزمن.

عدم قدرتنا على تذكر أحداث معينة من السنوات القليلة الأولى من الحياة يُعرف بـ “فقدان ذاكرة مرحلة الطفولية (4)”. لكن دراسة هذه الظاهرة أمر صعب.

وقال نيك تورك براون Nick Turk-Browne، أستاذ علم النفس في كلية الفنون والعلوم في جامعة ييل ومدير معهد وو تساي Wu Tsai وكبير مؤلفي الدراسة: “إن السمة المميزة لهذه الأنواع من الذكريات، التي نسميها الذكريات العرضية، هي أنه بالإمكان وصفها للآخرين، لكن هذا غير ممكن في حالة التعامل مع رضع لم يتكلموا بعد.”

بالنسبة للدراسة، أراد الباحثون تحديد طريقة رصينة لاختبار الذكريات العرضية (5) للرضع. استخدم الفريق، بقيادة تريستان ييتس Tristan Yates، طالب دراسات عليا حينها، والآن باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة كولومبيا، مقاربة عرضوا فيها على رضع بسن يتراوح بين أربعة أشهر إلى عامين صورة لوجه أو جسم أو مشهد جديد. وفي وقت لاحق، بعد أن رأى الرضع الكثير من الصور الأخرى، عرض الباحثون عليهم صورة سبق لهم رؤيتها بمحاذاة صورة جديدة.

“لو رأى الأطفال شيئًا لمرة واحدة في السابق، نتوقع منهم أن ينظروا إليه أكثر (لوقت أطول نسبيًا) لو رأوه مرة أخرى،” بحسب تورك براون. “لذلك في هذه التجربة، إذا كان الرضيع يحدق في الصورة التي سبق له رؤيتها أطول من الصورة الجديدة الي وضعت بجانبها، فبالإمكان تفسير هذا التصرف على أن الصورة كانت مألوفة بالنسبة له.”

في الدراسة الجديدة، فريق البحث، الذي أبدع على مدار العقد الماضي طرقًا رائدة للتصوير أطفال بالرنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI) وهم مستيقظون (حيث كانت في السابق عملية صعبة جدًا بسبب فترة انتباه الأطفال القصيرة جدًا وعدم قدرتهم على البقاء ثابتين (بلا حركة) أو متابعة التعليمات)، كان يقيس نشاط منطقة حصين الأطفال أثناء مشاهدتهم الصور.

على وجه التحديد، قام الباحثون بتقييم ما إذا كان نشاط منطقة الحصين مرتبطًا بقوة بذكريات الرضيع. وجدوا أنه كلما زاد النشاط في الحصين حينما كان الرضيع يحدق في صورة جديدة، كلما طالت فترة تحديقه فيها عند ظهورها مرة أخزى في وقت لاحق. والجزء الخلفي من منطقة الحصين (الجزء الأقرب إلى الجزء الخلفي من الرأس) حيث كان نشاط عملية تشفير الذكريات الأقوى هي نفس المنطقة التي ترتبط بالذاكرة العرضية لدى الراشدين.

كانت هذه النتائج صحيحة في العينة بأكملها المتكونة من 26 رضيعًا، لكن النتائج الأقوى كانت بين أولئك الرضع بسن يزيد عن 12 شهرًا (هؤلاء الأطفال يمثلون نصف مجموع العينة). تأثير السن هذا من شأنه أن يؤدي إلى نظرية أكثر اكتمالًا لكيف تتطور منطقة الحصين لدعم التعلم [عملية تغير شبه دائم في سلوك الفرد لا يلاحظ بشكل مباشر لكن يستدل عليه من السلوك ويتكون نتيجة الممارسة، كما يظهر في تغير الأداء (6)] والذاكرة، كما قال تورك براون.

في دراسة سابقة، وجد فريق البحث أن منطقة حصين الرضع الذين لا يتجاوز سنهم ثلاثة أشهر (7) أظهرت نوعًا مختلفًا من الذاكرة يسمى “التعلم الإحصائي (8)”. في حين تتعامل الذاكرة العرضية مع أحداث معينة، على سبيل المثال، المشاركة في تناول وجبة غذائية معينة في مطعم من المطاعم مع زوار من خارج المدينة في الليلة الماضية، فإن التعلم الإحصائي يدور حول استخراج الأنماط من بين الأحداث، مثل شكل المطاعم، وأحياء المدينة التي توجد فيها مطاعم تقدم بعض المأكولات المعينة، أو طريقة الجلوس لرواد المطعم وطريقة تقديم المأكولات.

يستخدم هذان النوعان من الذاكرة مسارات عصبية مختلفة في منطقة الحصين. وفي دراسات سابقة أجريت على حيوانات، أثبت الباحثون أن مسار التعلم الإحصائي، والذي يوجد في القسم الأمامي من منطقة الحصين (المنطقة القريبة من الجزء الأمامي من الرأس)، يتطور في وقت أبكر من الذاكرة العرضية. لذلك، يعتقد تورك براون Turk-Browne أن الذاكرة العرضية قد تظهر متأخرة في مرحلة الطفولة، حوالي في السنة الأولى أو سن أكبر. يناقش بأن هذا التتالي في تطور الذاكرة أمر منطقي عند آخذ احتياجات الرضع في الاعتبار.

وقال: “التعلم الإحصائي يدور حول استنباط بنية المحيط من حولنا [يُعرف بالذاكرة المكانية (9)].” “هذا أمر بالغ الأهمية لتطوير اللغة والبصر والمفاهيم وما إلى ذلك. لذلك سبب ظهور التعلم الإحصائي في وقت أبكر من الذاكرة العرضية يعتبر سببًا متفهمًا.”

ومع ذلك، أثبتت دراسة فريق البحث الأخيرة أن الذاكرة العرضية يمكن تشفيرها بواسطة منطقة الحصين في وقت أبكر مما كان يعتقد سابقًا، قبل فترة طويلة من أبكر الذكريات التي نتمكن من تذكرها كراشدين [مرحلة الرشد تبدأ من سن العشرين سنة]. إذن، ماذا يحدث لهذه الذكريات [التي نفقدها ولا نستطيع تذكرها]؟

يقول تورك براون إن هناك بعض الاحتمالات. الاحتمال الأول هو أنه قد لا يتم تحويل هذه الذكريات إلى ذكريات طويلة أمد (10)، وبالتالي ببساطة لا تدوم طويلاً. والاحتمال الآخر هو أن هذه الذكريات تبقى موجودة لفترة طويلة بعد التشفير لكن لا يمكننا استذكارها. ويظن تورك بروتان أن الأحتمال الأقوى هو الاحتمال الثاني.

في العمل البحثي الـجاري، يختبر فريق تورك براون ما إذا كان بإمكان الرضع [بسن سنة أؤ أقل] والأطفال الدارجون [من سنة إلى 3 سنوات] وأطفال ما قبل المدرسة [3 – 5 سنوات] تذكر مقاطع فيديو منزلية فيدوهات تباع أو تؤجر للعرض في المنازل] من منظورهم كأطفال (رضع)، مع نتائج تجريبية مبدئية توضح أن هذه الذكريات قد تستمر حتى سن ما قبل المدرسة قبل أن تتلاشى وتُفقد.

وقال تورك براون: “إن الدراسة التي قادها تريستان على الرضع تتوافق نتائجها بشكل ملحوظ ونتائج الدراسة الأخيرة التي أجريت على الحيوانات حيث أن فقدان ذاكرة مرحلة الطفولة تعتبر مشكلة منحصرة في الاسترجاع فقط”. “نحن نعمل على تتبع مدى بقاء ذكريات منطقة الحصين [المحولة من الذاكرة القصيرة الأمد إلى الطويلة الأمد في الحصين] إلى مرحلة الرشد، بالرغم من عدم إمكانية الوصول إليها واسترجاعها.”

مصادر من داخل وخارج النص

1-

https://ar.wikipedia.org/wiki/تشفير_الذاكرة_في_الحصين_واسترجاعها

2- “ترميز أو تشفير الذاكرة memory encoding هو اكتساب المعرفة الأولي. وهي طريقة يتم من خلالها تغيير المعلومات الواردة من المدخلات الحسية إلى شكل بحيث يمكن تخزينها في الدماغ. الترميز هو تحويل الأفكار الداخلية والأحداث الخارجية إلى ذاكرة قصيرة الأمد وطويلة الأمد. وهي العملية التي تتم من خلالها معالجة المعلومات وتصنيفها للتخزين والاستذكار. والخطوة الأولى الحاسمة في إنشاء ذاكرة جديدة. ترميز الذاكرة تحول الشيء أو الحدث المدرك حسيًا إلى مفهوم يمكن تخزينه واستحضاره لاحقًا من الدماغ.” ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

MEMORY ENCODING

3- https://www.science.org/doi/10.1126/science.adt7570

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/فقدان_الذاكرة_في_مرحلة_الطفولة

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_عرضية

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/تعلم

7- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0960982221006199?via=ihub

8- https://en-m-wikipedia-org.translate.goog/wiki/Statistical_learning_theory?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=rq

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_مكانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى