أقلام

حين تُغلق الأبواب وتُفتح الحقيقة

أحمد الطويل

مقدمة:

تخيّل أن الزمن يتوقف فجأة، أنفاسك الأخيرة تخفت، وأجفانك تُغلق على مشهدٍ لا يُرى بالعين، بل يُكشف بالبصيرة… إنها اللحظة التي وُعد بها كل إنسان، لحظة الرحيل، لا مفرّ، ولا تأجيل. ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ (البقرة: 281). هنا تبدأ الحقيقة، تُكشَف الوجوه، ويُختَبر الإيمان.

صعود الروح بداية الخلود

الروح تبدأ رحلتها بصمتٍ رهيب… الجسد يبرد، الأنفاس تتثاقل، والعين تحدّق إلى مكانٍ لا يُرى. ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ (القيامة: 26-27). في تلك اللحظة، لا يُخفى شيء. قال الإمام الصادق عليه السلام: “يرى المؤمن ما له عند الله، ويرى الكافر سوء المصير”. هنا لا مجال للكذب، ولا مواربة. الحق يسطع كالشمس.

انكشاف الحجب وانفجار البصيرة

تُفتح العيون لا لترى الدنيا… بل لترى الملائكة، الحساب، المصير. ﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ (ق: 22). يتجلى كل شيء. لا مجال للشك… كل فعل، كل نية، كل سر، يُعرَض. قال الإمام الباقر عليه السلام: “يُعرض على الميت عمله… فإن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًا فشر”.

المعركة الأخيرة

الشيطان لا ينسحب حتى هذه اللحظة، الشيطان لم ينسحب. بل ينتظرها ليراهن على آخر نفس. يهمس… يشكك… يُحاول أن يُطفئ نورًا عمره سنوات. ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾. فتنة الموت هي أشد الفتن. لا تنس حديث الرسول صلى الله عليه وآله: “الشيطان يأتي أحدكم عند موته فيقول له: مت على يهودية أو نصرانية…”.

لحظة القرار… لا رجعة بعدها هنا يحضر ملك الموت… اللحظة التي تفصل بين الجسد والروح. للمؤمن: نسيم، نور، ونداء طيب. أما للمكذّب: ظلمة، وملائكة الغضب. ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾. ويُقال للمؤمن: “اخرجي أيتها الروح الطيبة…”. لحظة عظيمة… لحظة قرار أبدي.

الندم حين لا ينفع

في هذه اللحظة يتمنّى البعض الرجوع، ليس لحبّ الدنيا، بل لتعويض ما فات… ولكن ﴿كَلَّا﴾. انتهى وقت العمل، وجاء وقت الحساب. قال أمير المؤمنين: “اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل”.

النجاة في الحب

ولكن ليس أي حب في هذه الرحلة، هناك قلوب لا تخاف لأنها كانت عاشقة لأهل البيت عليهم السلام. نعم، إن الحب الحقيقي لهم هو طريق المغفرة، لكن ليس بالكلمات، بل بالفعل.

قال الإمام الصادق عليه السلام: “من أحبّنا لله، وأحب محبنا لا لدنيا، وعادى عدونا غفر الله له، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر”.

الحب الصادق يُطهّر، يُحوّل، يُطهّر القلوب، ويحرّك الأرواح نحو الصراط المستقيم. كما فعل الحر الرياحي الذي قلب تاريخه بحب الحسين عليه السلام، ففاز بالشهادة وخلود الذكر.

من أحبهم حُشر معهم

تريد رفقة النبي؟ رفقة الحسين؟ رفقة الزهراء؟ حبهم هو الطريق. قال الرسول صلى الله عليه وآله: “من أحبّنا أهل البيت في الله، حُشر معنا”. وردّ على أبي ذر: “فإنك مع من أحببت”.

حتى إن حجرًا لو أحبهم لحُشر معهم، كما قال الإمام الباقر عليه السلام. فما بالك بقلبٍ بشري؟

احذر سراب المقارنة

لا تشتّت قلبك بالحسد، بالسوشيال ميديا، بالسباق مع الآخرين. عش لنفسك، عش لله، عش لأهل البيت. قال الإمام الصادق عليه السلام: “الحاسد يضرّ بنفسه قبل أن يضرّ المحسود”. دع حياتك خالصة لك، لا تقلّد،لا تحاكي، لا تراقب غيرك. القناعة راحة، والنظر إلى الداخل شفاء.

الخلاصة:

حين تغلق أبواب الدنيا، تُفتح أبواب الحقيقة. هناك يظهر الحب الحقيقي، وتُعرَف الأرواح من خلال نورها. فلا تجعل قلبك أسير الغيرة، ولا عقلك عبدًا للناس. عش كما يُحبك الله، واذكر: “يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى