الباحث والتحقيق في المخطوطات التراثية

طالب البقشي
يهتم الباحث بالنظر والاطلاع في ما يحويه التراث والتاريخ ومعاينة الآثار والبحث في الكتب والمعلومات التاريخية القديمة والتحقق من تفاصيلها السردية وتفحص المصادر والوثائق والمخطوطات ومقاربتها بالمعارف الجغرافية وتقصي القصائد الشعرية المرتبطة بها بهدف الوصول لتحقيق وتقرير صحيح يطابق الحقائق والوقائع التاريخية الحادثة.
ويشتغل كثير من الباحثين من أبناء الأحساء في بحث تاريخ وتراث الأحساء حبًا ووفاء لمنطقة الأحساء الفاتنة، إلا أن البحث والتحقيق في التاريخ له منهجية تستدعي التعرف على فن ومهارة البحث والتحقيق في التاريخ. وفي هذا المقال نتناول خلاصة منهجية علم التحقيق في المخطوطات كأحد مصادر البحث في التاريخ ومن يرغب التوسع في معارف التحقيق التزود من الكتب المختصة التي سوف يشار لها في ثنايا المقال.
ويعد علم التحقيق ودراسة المخطوطات أحد العلوم المعاصرة الهامة والضرورية التي على الباحث والمؤرخ وطالب العلم الأكاديمي وطالب العلوم الدينية أن يلم به ليتعرف على المنهجية العلمية لهذا العلم، ويسهل عليه تطبيقه بالطريقة الصحيحة وتحاشى الخطأ أو التصحيف في التحقيق وإصدار تحقيق ونص صحيح يطابق ما نشره كاتبه.
فمن المعارف التي يراعيها الباحث والمحقق للمخطوط مجال النص والظفر بأصل المخطوط المراد تحقيقه ما أمكن ذلك ومعرفة الملاحظات الأساسية التي يبدأ منها فهناك من الكتب ماطبع ونشر من نسخ مخطوطات قبل أن يطبع وينشر من أصل المخطوط وعلى الباحث والمحقق أن يراجع أهل الاختصاص والخبرة واستشارتهم فيما يشكل عليه من معلومات وتسميات وترميزات تاريخية مندثرة ويدعم ضبط تحقيقه بالقرائن المحصلة من خلال قراءة الكتب المختصة بحسب كل فن سواء في مجال التاريخ أوالجغرافيا أو الأدب أو الرواية والحديث وغيره.
ومنهجية التحقيق تستدعي من الباحث والمحقق أن يبتدئ مراحل التحقيق أثناء تحقيقه للمخطوط على النحو التالي:
1. البحث والوصول لأصل المخطوط في المكتبات الكبرى العالمية وفي المتاحف وفي مراجع الكتب الإرشادية للمخطوطات وفي المواقع الإلكترونية التي تهتم بتوثيق ورصد المخطوطات، ومنها مركز ودود لفهارس المخطوطات وكتب التحقيق.
2. جمع نسخ المخطوط وترتيب النسخ بحسب الأقدم تاريخيًا.
3. مطابقة نسخ المخطوط ببعضها والتحقيق في النص وتحليله وتدقيقه واعتماد النسخة الأم
4. تصحيح ومعالجة النص الساقط أو الزائد وضبط النص الصحيح
5. التدقيق في حواشي المخطوط والترميزات وترقيم الصفحات
6. أضافة التعليقات والشروحات الجديدة في الحواشي وما توصل له المحقق من معلومات ونقد علمي بعد تحليل النص وبيان المصادر والمراجع.
7. كتابة الفهرس.
ومن أكثر الصعوبات التي تواجه المحقق في قراءة المخطوط صعوبة فهم النص فقد تكون الحروف غير واضحة النقط، أو مكتوبة بخط تتصل فيه الحروف ببعضها البعض. لهذا فأن من المهارات التي على الباحث أكتسابها أو الاطلاع عليها التعرف على علم أنواع الخطوط العربية، وأطوارها التاريخية مما يسهل على الباحث والمحقق قراءة أنواع الخطوط القديمة، وفهم الحروف المكتوبة والناحية الشكلية الإبداعية له مثل الخط الديواني، وخط النسخ، وخط الثلث، وخط الرقعة، والخط الكوفي. فالحروف لم تكن منقوطة في أصل الكتابة العربية.
وفي مضمار ما كتب من مؤلفات تتناول البحث والتحقيق في مخطوطات التراث الكثير من الكتابات، ومنها كتاب ” المخطوطات العربية – تحقيقها وقواعد فهرستها ” للكاتب فاضل عثمان توفيق النقيب عام 1975م وكتاب ” في منهج تحقيق المخطوطات ” عام1983م للمؤلف مطاع الطربيشي ، وكتاب ” المنهاج في تأليف البحوث وتحقيق المخطوطات ” للدكتور محمد التونجي عام 1986م وكتاب ” قواعد تحقيق المخطوطات ” للدكتور صلاح الدين المنجد عام 1987م، وكتاب ” تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل” للدكتور عبدالله بن عبد الرحيم عسيلان عام 1994م، وكتاب ” تحقيق نصوص التراث في القديم والحديث” للدكتور الصادق عبد الرحمن الغرياني عام 2006م،
وكتاب ” تحقيق المخطوطات – مناهجه – قواعده – أعلامه” للدكتور عباس هاني الجراخ صدر عام 2014م، ويتضمن دراسة تعرف تحقيق المخطوطات وتبين أهميته وأنواعه ومناهجه وقواعده وأعلامه وبدايات التحقيق وتطوره.
ويذكر أن أهم ما كتب في تحقيق المخطوطات كتاب ” المخطوط العربي” للدكتور عبد الستار الحلوجي، وهو الكتاب الحائز على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية، وكتاب ” منهج تحقيق النصوص” ونشرها للدكتور نوري حمّودي القيسي، والدكتور سامي العاني، وكتاب ” تحقيق التراث” للدكتور عبدالهادي الفضلي.
وقد تطور التحقيق في المخطوطات حديثًا بأستخدام الذكاء الأصطناعي حيث يقوم المحرك بإنجاز جميع مراحل معالجة المخطوطات باستخدام الذكاء الاصطناعي، تبدأ بمرحلة المعالجة الأولية للمستند لتحسين جودة الصورة، تليها مرحلة المعالجة التي تشمل تجزئة الوثيقة، وكشف التخطيط وتقسيم الأسطر وتحديد الكلمات، ثم التعرف الضوئي على الحروف.
ونجح العلماء الروس فى ترقيم وثائق تتضمن مخطوطات وذلك بواسطة الذكاء الاصطناعي حيث يستطيع التعرف عليها وتحويلها إلى مطبوعات وتصنيف الوثيقة والتعرف عليها، كما إنه يقترح حلًا للمشكلة اللغوية ويحدد تركيبة الوثيقة بما فيه توزع هوامشها.
فالتحقيق علم وفن، يهدف لإحياء الكتب التراثية والمخطوطات التي توشك أن تبلى وتندثر، وقد يعتقد البعض أن التحقيق مجرد طباعة للمخطوط القديم ، إلا أن مفهوم التحقيق أوسع وأشمل من ذلك. فعلى الباحث والمحقِّق أن يكون عارفًا بمنهج التحقيق وقواعده، فمن أراد تحقيق مخطوطٍ في علم الرواية والحديث فعليه أن يكون ذا دراية بعلم الرواية والحديث ومن أراد التحقيق في التاريخ، فعليه أن يكون ذا دراية بالتاريخ.
وفي ضوء الحديث عن علم التحقيق في المخطوطات أشير بأنه من الممكن التجديد في قواعد التحقيق وتطوير الطرق المتبعة في تحقيق المخطوطات. ومن ذلك دمج الذكاء البشري مع الذكاء الاصطناعي بحسب التطور العلمي والتقني الحديث وإدخال تقنية الذكاء الاصطناعي في كثير من الأعمال الفنية في تحقيق المخطوط من تحسين جودة صور الوثيقة، وتجزئة الوثيقة، وتقسيم الأسطر، والتعرف على الحروف، وترقيم المخطوط، وتوزيع الهوامش، وهذا يساعد على اختصار الجهد والوقت فما كان يصدر من تحقيق بعد سنوات من الجهد يمكننا أن نحققه في شهور، فقد قال الدكتور عبدالهادي الفضلي في كتابه (تحقيق التراث) في مفهوم التحقيق: هو العلم الذي يُبحث فيه عن قواعد نشر المخطوطات، أو هو دراسة قواعد نشر المخطوطات.