الحمزة بن عبد المطلب عليه السلام أسدُ الله الهادر وسيفُ الحق الباتر

أحمد الطويل
مقدمة:
نور الولادة من مشكاة النبوة.
في عام الفيل، حيث ولدت النبوة وانكشفت الظلمة، وُلد حمزة بن عبد المطلب، عمّ النبي صلى الله عليه وآله، وأخوه من الرضاعة، من السيدة هالة بنت وهيب الزهرية، فكان الحليب الذي أرضعته ثويبة لهما رباطًا أوليًا، سبق النبوة والرسالة، وجعل قلب حمزة يميل للفطرة قبل أن يُنطق بالشهادة.
إسلامٌ أربك قريش ودوى في الكعبة كالرعد
دخل الإسلام لا عن خوف أو مصلحة، بل عن يقين وقوة. حينما سمع أن أبا جهل أهان رسول الله في الحرم، أسرع إليه وضربه على رأسه بالقوس، ثم أعلنها مدوية في وجه قريش: “أتشتمه وأنا على دينه؟!” (السيرة النبوية لابن هشام). ومن تلك اللحظة، صار حمزة سدًّا منيعًا دون النبي، حارسًا له، سيفًا مصلتًا على رقاب الكفار.
قال أهل مكة يومها: “قد عز محمد بعد اليوم!” وكان حقًا كذلك، فقد أصبح للدعوة ظهير لا يُقهر، ومجاهد لا يلين.
بدر حيث دوّى زئير الأسد
في معركة بدر الكبرى، نزل حمزة ميدان القتال بسيفين، وكان يردد: “أنا أسد الله وأسد رسوله!”، يقاتل بثبات مَن كأنهم جبال من الكفر. وكان له الشرف في قتل شيبة بن ربيعة، أحد أعمدة قريش. وهنا تجلت فيه آية الجهاد، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ…} [التوبة: 111]
لقد كان أسد الله يمزّق صفوف الباطل، يذود عن الإسلام، ويثبت في قلب المعركة كما تثبت الجبال في وجه الريح.
أحد لحظة المجد والاستشهاد
ثم جاءت أُحد، يوم المحنة والدم. قاتل حمزة كما في بدر، كأن قلبه لا يعرف الخوف، حتى تآمر عليه الكفر، فبعثوا “وحشيًا” ليغدر به. طعنه بالحربة في خاصرته وهو مشغول بمبارزة المشركين، فسقط الجسد الطاهر، ولكن رائحة المسك كانت تفوح من دمه كما روى ابن سعد في الطبقات الكبرى.
التمثيل بالجسد وفضيحة الكراهية
هند بنت عتبة، المليئة بالحقد، قطعت كبده، ومضغتها، لكن الله حوّلها حجرًا في فمها. كانت تظن أنها بثأرها تطفئ نور الإسلام، فإذا بها تفضح قلبها الأسود أمام التاريخ.
بكاء النبي وانكسار الرسالة
حين وقف النبي صلى الله عليه وآله على جسد عمه، لم يحتمل المشهد، فبكى بكاءً مريرًا، وقال: “لكن حمزة لا بواكي له!” (رواه ابن ماجه). وبمجرد أن سمعت نساء الأنصار ذلك، قمن بالبكاء عليه، وصارت سنّة يُبكى بها على حمزة كلما ذُكر. ثم صلى النبي عليه، سبعين مرة، ودفنه بيديه، ودموعه تقطر فوق ترابه الطاهر.
في قلوب آل محمد “وا حمزتاه!”
كان حمزة أكثر من عم كان سندًا. فحين أُخرج علي عليه السلام ملببًا، صاح: “وا حمزتاه!” (شرح النهج لابن أبي الحديد)، وحين زارت فاطمة الزهراء قبره، سكبت دمعها على ضريحه، وحين صرخ الحسين في كربلاء: “وا حمزتاه!”، كانت تلك الصرخة تُعيد إلى الأذهان طيف البطل الشهيد الذي رحل يوم أُحد وترك فراغًا لا يُملأ.
القرآن يخلّد مسيرته
قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]، {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38]. كل آية من هذه كانت تصف الحمزة، ليس اسمه فقط، بل مقامه وروحه وجهاده.
النبي والأئمة شهادة بالجنة والمقام
قال النبي صلى الله عليه وآله كما روى أحمد في مسنده: “سادة أهل الجنة سبعة من بني عبد المطلب: أنا، وعلي، وجعفر، وحمزة، والحسن، والحسين، والمهدي.”
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام حين خطب: “ومنّا أسد الله وأسد رسوله، حمزة بن عبد المطلب.” (الاحتجاج للطبرسي)
الكرامة بعد الموت
حين أراد معاوية نبش قبره بعد 46 عامًا، سال دمه الطاهر كما لو أنه استُشهد للتو، ففزع الجنود وتراجعوا. كان دمه يقول: “ما زلتُ حيًا في وجدان الأحرار.”
الخلاصة:
مدرسة تُنجب الأبطال. حمزة ليس صفحة في كتب التاريخ، بل مدرسة يتخرّج منها المجاهدون، هو المنارة التي تهدي العاشقين للحق، والرُمح الذي لم يُكسر رغم أن الجسد مضى. من أراد أن يعرف البطولة، فليقرأ حمزة. ومن أراد أن يفهم معنى العزة، فليبكِ على قبره كما بكى النبي.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واملأ قلوبنا بعشق حمزة، وارزقنا الشهادة على طريقه، في كنف القائم المهدي المنتظر.