أقلام

وصايا أركاد رجل المال والثراء(٢)

رباب حسين النمر

اعترض أركاد على تعليق أصحابه وتوجيههم ذلك الوضع حسب مداركهم، وقال: (إن السبب في عدم كسبكم المال أكثر مما يكفي لتعيشوا حياة متواضعة في تلك السنوات التي تلت شبابنا يرجع إلى أنكم قد فشلتم في تعلم القوانين التي تحكم بناء الثروة، أو أنكم لم تلتزموا بها). وهكذا أرجع أركاد سبب عدهم كسبهم المال لتواضع معلوماتهم حول تنمية المال، أو عدم تطبيقهم تلك المعلومات بشكل عملي، فطلب منه أحد أصدقائه أن يشرح لهم كيف أصبح مالكًا لهذا الثراء فقال بأنه أدرك أن المال هو القوة التي يمكن بها تحقيق الكثير من الأشياء، فعزم في قرارة نفسه أن ينال نصيبه من الثروات والخيرات المتوافرة في الحياة، ولا سيما أنه ابن لتاجر بسيط وفرد في عائلة كبيرة ليس لديها أي أمل في الإرث، ولذا فعليه حتى يحقق ما يصبو إليه باغتنام شيئين: الوقت والدراسة .

فكل الرجال لديهم الوقت الكثير، وبالنسبة للدراسة فالتعليم نوعان: نوع الأشياء التي نتعلمها ونعرفها، ونوع هو الممارسة التي تعلمنا كيف نكتشف ما لا نعرفه، ولذا قرر أركاد أن يكتشف كيف يمكن للإنسان أن يجمع ثروة كبيرة، وعندما اكتشف ذلك قرر أن يجعل هذا الأمر مهمته وإن ينجزها بطريقة متقنة. ثم وجد أركاد وظيفة ناسخ في دار المحفوظات، وكان يعمل ساعات طويلة كل يوم في الكتابة على الألواح الصلصالية، وظل يعمل أسبوعًا بعد أسبوع، وشهرًا بعد شهر، ولكنه لم يستطع أن يدخر شيئًا في النهاية، فقد استنفد الطعام والملبس وبعض الاحتياجات الأخرى كل ما حصل عليه من أجر، ولكنه لم يفقد تصميمه وعزيمته. وفي يوم ما أتى إلى بيت معلم المدينة (ألجامش)- وهو تاجر ثري- وطلب نسخة من القانون التاسع وقال: (يجب أن أحصل على طلبي هذا خلال يومين، وإذا أنجزت هذه المهمة قبل انتهاء هذا الوقت فسأعطيك قطعتين من النحاس) ولذا عمل أركاد بجد، ولكن نص القانون كان طويلًا، وعندما عاد ألجاميش لم يكن قد انتهى من عمله بعد، فاستشاظ غضبًا، فقال أركاد: (ألجاميش أنت رجل غني جدًا، أخبرني كيف أصبح غنيًا مثلك، وسأعكف طوال الليل على نقش هذا اللوح، وعندما تشرق الشمس سأكون قد انتهيت منه)، فرد عليه:(دعنا نعتبرها صفقة)، فعمل أركاد طوال الليل حتى أوجعه ظهره، وسببت له رائحة الفتيلة صداعًا في رأسه، ولكنه قد انتهى من نقش الألواح مع شروق الشمس، ووفى أركاد بوعده وجاء دور ألجاميش ليفي بوعده، فقال:( لقد وجدت الطريق إلى الثراء عندما قررت أن أحتفظ بجزء من إيراداتي، وأنت يجب أن تقوم بذلك)، فقال له: ولكنني أحتفظ بكل إيراداتي، فهل هذا تصرف سليم؟ فقال:( إن هذا بعيد عن الصواب، أفلا تدفع إلى الترزي وصانع الأحذية، والطعام؟ هل يمكنك أن تعيش في بابل دون إنفاق؟ ولكن إذا كنت تدخر عشر إيراداتك فكم سيكون معك خلال عشر سنوات؟ ) …. يتبع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى