أخي عضدي

أمير بوخمسين
أخي وصديقي الذي أهداهُ لي والداي على طبقٍ من مودة وقالا لي (سنشّدُ عضدك بأخيك)، ومن يومها وأنا أكثرُ امتلاء بك وأكثر فخرًا بوجودك الذي زيَّن لي هذه الحياة. تعلمتُ منك فن الوفاء وفن الأخوة الصادقة قبل أن تعلمني أي شيء، ورأيتُ في عصاميتك معاني أدرك عظمتها يومًا بعد يوم، فقد علمتني الدرس الأول في الحياة وأنت تفرد يقينك في وجه كل شيء وتفرد إيمانك وقوة عزيمتك لتهزم بها كلما أقعدَ غيرك من الأصدقاء.
نحتمي بك أنا وأخواني صغارًا، ونراكَ تزودُ عنا كل فظائع الأشياء، حتى نرى المصاعبَ تتكسر على صدرك وأنتَ تقفُ شامخًا كنخلة (حساوية) تتحدى صلف الرياح، ونرى فيك شخصًا لا يُقهر وسندًا لا يخذل وذمةً لا تخون، فنتشبثُ بك أكثر ونرى فيك قدوةً لنا وأنموذجًا مصغرًا لما يجب أن تكون عليه الإنسانية وعينةً صالحة. على يديك كبرنا وتعلمنا فن الحياة وأخذنا من يديك الحانيتين درسنا الأول في معاملة الآخرين ومبادلتهم الود والتقدير.
أخي..
أتساءل أحيانًا، لمَ هذه الرسالة وأنت تعلمُ سلفًا ما سأقوله لك، وتعلم حتى ما أنوي أن أقوله، أولم تكن أستاذي الأول في التضحية، وكنتُ تلميذك النجيب في التعبير، ولكن هذه الرسالة هي بمثابة تذكير للذين لا يفهمون معنى الأخوة.. أردتُ به سرد أفضالك وقيمك السمحة للآخرين لعلهم يحذون حذوك ويبنونَ ذاتهم بأيديهم ويصنعونَ من حياتهم العادية واقعًا غير عادي ويجمِّلون الحياة لغيرهم مثلما فعلت معنا وأنتَ تقفُ شامخاً وتمنحنا ثمار تجربتك وعصارة خبرتك ومعرفتك بالحياة.
أتدري بأنك أكثر من أخ؟ أنت ذلك الصوت الذي يهمس في داخلي كلّما غرقتُ في صخب الدنيا. كنتَ ولا تزال تلك المرآة التي أرَى فيها أفضلَ نسخةٍ من نفسي.
ويا له من ظلٍّ! ظلّك الذي كان ولا يزال يُشبه ظلَّ الأشجار العتيقة، تُجبرني على الجلوس تحته حين يحترق قلبي بالأسئلة، فتسكبُ في أذني حكاياتٍ من نار تجاربك، ثمّ تُطفئها بدموع صبرك، حتى أعودَ إلى نفسي كالطفل الذي اكتشف للتوّ أن الخوفَ مجرد وهم.
وما أعظمك حين تتحوّل إلى شمعةٍ تحترقُ لتضيء لغيرك، بينما ترفض أن يلمسَ أحدٌ دمعتك الخفيّة! لطالما رأيتُ في عينيك ذلك البحر الذي يخبئُ في أعماقه كنوزاً من الألم، لكنّك تختارُ أن تمنحنا اللآلئ فقط.
فأنت علمتني أن الأخوّةَ ليست مشاركةَ الفرح فقط، بل هي أن تنهارَ أمام أخيك كي يراكَ ضعيفاً فيُقوى، وحزيناً فيفرحَ لأنّك منحته فرصةً ليرى نفسه بطلاً حين يحتضنُ جراحك.
وإذا كانتِ الحياةُ قد وهبتني شيئًا يُساوي ذرةً من فضلك، فهو أنني تعلمتُ منك أن السندَ الحقيقيّ ليس من يقول: “أنت معي”، بل من يهمسُ في أذنك حين تبتعد: “أنت أمامي.. وأنا هنا لا أبرح مكاني حتى تعود”.
فلكَ منّي اليوم يا أخي كلّ الحروف التي تزيّن بها قلبي، ولكَ كلّ الدموع التي اختبأتْ بين سطور رسالتي، ولكَ فوق ذلك كلّه يمينٌ لا تنكسر: سنظلّ كما أراد الله.. إخوةً تتحدّث عنهم النجوم، فدمت لي قلبًا يُنبض بالوفاء، ويدًا لا تعرف إلا العطاء.
أخوك الذي يُقلّبُ وجهه في السماء كلّ ليلة، ويدعو الله أن يعطيك الصحة والعافية، وأن يُبقيكَ لنا قنديلًا لا ينطفئ.