وصايا أركاد رجل المال والثروة(٣)

رباب حسين النمر
لما سأل ألجاميش أركاد عن مبلغ الإيرادات التي يدخرها خلال عشرة أعوام، من ١٠ % من إيراداته قال أركاد: “تمامًا مثل إيراداتي خلال عام واحد”! فرد عليه إلجاميش: “إنك تدرك نصف الحقيقة فقط، فكل قطعة ذهبية تدخرها هي خادم لك يعمل في صالحك، وكل قطعة نحاسية يكسبها هذا الذهب هي ثمره التي يمكن أن تكسب أيضًا من أجلك. فإذا أردت أن تصبح ثريًا فعليك أن توظف ما تدخره كي يكسب أكثر، وكذلك ثمرته لا بد أن تكسب أيضًا. ادخر عشر إيراداتك مهما كانت متواضعة”. وبدأ أركاد يطبق وصايا ألجاميش، فكان يأخذ قطعة نقدية من كل عشر قطع تدفع إليه ويدخرها، وأصبح أركاد مقتصدًا في نفقاته أكثر من قبل، فلاحظ أركاد فارقًا طفيفًا، وبدأت مدخراته في النمو. وبعد اثني عشر شهرًا التقى بإلجاميش الذي سأله: (هل دفعت لنفسك يا بني ما لا يقل عن عشر إيراداتك في العام الماضي؟) فقال: (نعم فعلت يا سيدي). فقال: (وماذا فعلت بها؟)، فقال أركاد:(أعطيتهم أزمور صانع القرميد الذي أخبرني أنه سيسافر عبر البحار البعيدة، وأثناء وجودة في ميناء تيروس يشتري لي بعضًا من الجواهر النادرة عند الفينيقيين، وعندما يعود سنقوم ببيع هذه الجواهر بأسعار عالية ونتقاسم المكاسب) فقال متذمرًا: (لا بد لكل أحمق أن يتعلم من حماقته)! وعاتبه على أنه وثق بصانع القرميد، وفعلًا باع بعض الفينقيين على صانع القرميد قطعًا من الزجاج لا قيمة لها، فخسر أركاد ما جمعه. وعاد مرة أخرى يدخر عشر ما يحصل عليه. وبعد اثني عشر شهرًا صادف ألجاميش فقال له: (ما التقدم الذي حققته منذ آخر مرة رأيتك فيها؟) فقال أركاد: (ادخرت، وأعطيت مدخراتي (أجار) صانع التروس كي يشتري البرونز، وهو يعطيني حصتي من الأرباح كل أربعة أشهر)، فعلق:(هذا أمر جيد ولكن ماذا تفعل بهذه الأرباح؟) فقال أركاد: (أصنع لنفسي مأدبة كبيرة مليئة بالعسل وأنواع الشراب الممتازة وكعكة التوابل، وقد اشتريت لنفسي أيضًا رداء قرمزيًا جميلًا، ويومًا ما سأشتري حمارًا صغيرًا كي أركب عليه). فضحك ألجاميش وقال: (إنك تأكل ثمار مدخراتك، إذن كيف تأمل أن تعمل هذه الثمرات لصالحك؟ وكيف يمكن أن تنتج ثمرات أخرى؟)،(احصل لنفسك أولًا على جيش من العبيد الذهبيين، وبعد ذلك سيكون بإمكانك أن تستمتع بالكثير من الموائد المشتملة على أفخر أنواع الطعام والشراب). غاب أركاد عن ألجامش مدة عامين، ثم رآه مجددًا وقال:(ألم تحقق بعد الثروة التي حلمت بها يا أركاد؟) فأخبره الأخير أنه لم يحقق كل أمنياته، ولكنه حقق جزءًا منها وهي تكسب المزيد، وإيراداتها تكسب المزيد، فسأله ألجامش:(وهل لا تزال تأخذ بنصائح صانع القرميد؟) فأخبره بإنهم يعطونه نصائح جيدة فيما يتعلق بصناعة القرميد فقط. فقال ألجامش: (لقد استوعبت الدرس جبدًا يا أركاد، ففي البداية تعلمت كيف تعيش بنفقات أقل مما تكسب، ثم تعلمت أن تطلب النصيحة فقط من المؤهلين من خلال خبرتهم لإعطائك هذه النصيحة، وفي النهاية تعلمت كيف تجعل المال يعمل لصالحك. لقد علمت نفسك كيفية أكتساب المال وكيفية المحافظة عليه، وكيفية استغلاله، ولذا أصبحت مؤهلًا لئن تتقلد منصبًا مسؤولًا، وانا أصبحت رجلًا مسنًا الآن، وأبنائي لا يفكرون سوى في الإنفاق، ولا يلقون بالًا لكسب المال. إن لي مصالح كثيرة وأخاف جدًا من أن لا أتمكن من الاعتناء بها، فإذا ذهبت إلى نيبور واعتنيت بالأراضي الخاصة بي فسأجعلك شريكي، وستشاركني في ممتلكاتي). هنا سنحت الفرصة الذهبية أمام أركاد فسارع إلى استغلالها وذهب إلى نيبور، واستطاع رفع قيمة تلك الممتلكات لدرجة كبيرة، لأنه فهم جيدًا القوانين الثلاثة للتعامل مع الثروة والمال بنجاح، ولذلك حقق نجاحًا اقتصاديًا كبيرًا، وعندما مات ألجامش أصبح لأركاد نصيب في ممتلكاته، كما حدده هو في ظل القانون. قال أحدهم: (لقد كنت رجلًا محظوظًا بالفعل يا أركاد، لأن إلجاميش جعل منك وريثًا له)، فرد عليه أركاد:( كنت محظوظًا فقط لأنه كانت لديٍ الرغبة في أن أحقق نجاحًا ماديًا حتى قبل أن أقابله، ألم أبرهن لمدة أربع سنوات على إصراري على تحقيق هدفي عن طريق القيام بادخار عشر إيراداتي؟ أتقولون على صياد بأنه محظوظ بالرغم من أنه ظل طوال سنوات يدرس جيدًا عادات الأسماك، حتى أنه مع كل تغير لاتجاه الرياح استطاع أن يلقي بشباكه نحوها؟ إن الفرص الجيدة لا تأتي لأشخاص غير مستعدين لاستغلالها). فنسب إليه أحدهم قوة الإرادة، فأخبره بأن قوة الإرادة مل هي إلا قوة التصميم الذي لا يلين على أداء مهمة أخذت على عاتقك أن تنجزها، وأن تكملها حتى النهاية، ولذلك فهو حريص على أن لا يكلف نفسه بمهام صعبة وغير عملية لأنه يحب أن يكون خاليًا من المهام بعض الوقت. وستنمو الثروة كلما بذل الإنسان جهدًا، والثروة تبنى بطريقة سحرية ولا يمكن لأحد التنبؤ بالحد الذي تقف عنده……. يتبع