ذاكرة العقاب (٣)

رباب حسين النمر
الجزاء من جنس العمل، والواجب المنزلي محك متعب لبعض الطالبات، قد يأتي عليه الكسل والتقاعس حينًا، أو النسيان في بعض الأحيان، أو الانشغال بأمور أخرى، أو المرض أحيانًا. كانت الكثير من المعلمات يضعن الواجب المنزلي مقياسًا يقيّمون به مدى جهد التلميذة، ومدى التزامها، واهتمامها، وذكاءها، مع العلم بأنها لا تزال في أولى مراحلها الدراسية، وتحتاج من المعلمة إلى الإرشاد والتعويد والمتابعة وتحبيب المادة الدراسية واستعمال أساليب جاذبة ومناسبة تناسب الفئة العمرية، لجعل الدراسة شيئًا مليئًا بالشغف وحب الاكتساب والاكتشاف. لما فتشت المعلمة عن الواجب ووجدت عددًا من التلميذات لم يقمن بحل الواجب، لم تضربهن بحد المسطرة الخشبية على أيديهن، ولم تُشَهِّر بهن أمام قريناتهن، ولكنها استخدمت أسلوبًا آخر يجبر التلميذة على أداء الواجب الذي أهملته مضاعفًا مهما كانت الأسباب، كما يجبرها على حفظ موضوع الواجب المنزلي، فقد تطلب المعلمة من التلميذة أن تكتب (الجزاء) ومعناه تكرار المادة المهملة عددًا من المرات التي تحددها المعلمة. إلى هذا القدر من الوصف فطريقة العقاب مقبولة ومعقولة وتربوية، ولكن بعض المعلمات كن يخترعن أعدادًا أسطورية من مرات التكرار، لدرجة أن أصابع التلميذة الصغيرة تئن من وجعها بعد الكتابة وتتصلب، مسوّدة عددًا كبيرًا من الأوراق التي ما أن تستلمها المعلمة حتى تنظر فيها وتحسب عدد مرات التكرار ثم تمزقها وترمي بها في سلة المهملات أمام التلميذات. فرفقًا بالأنامل الصغيرة ورفقًا بنفسياتهن الفضة، رفقًا رفقًا.