أقلام

متلازمة المربع المفقود: حكاية الشوق لما لا يُرى

غسان بو خمسين

نتيجة للحياة المعاصرة المليئة بالضغوطات المتنوعة والتوقعات ذات السقف المرتفع والطموحات التي لاتعرف حدودًا، والرغبات النهمة في كل شيء، قد تولد في النفس حالة من عدم الراحة والشعور بالنقص والحرمان من شيء ما، مفقود ولكنه خفي وغامض وغير محدد ومعروف، وهي حالة تُعرف بـ”متلازمة المربع المفقود” The Missing Tile Syndrome). هي مفهوم في علم النفس تشير إلى ميل الإنسان إلى التركيز على ما ينقصه بدلًا من التركيز على ما يمتلكه، مما يؤدي إلى شعور دائم بعدم الاكتفاء أو الإحباط.

المتلازمة ليست مرضًا بالمعنى الطبي، بل هي وجعٌ خفي، وشعورٌ غامض يطارد الإنسان حين يشعر بأن شيئًا ما ينقصه، رغم أن كل شيء يبدو في مكانه. إنها تلك المساحة الفارغة في القلب، التي لا يملؤها مال ولا نجاح ولا حتى الحب أحيانًا.

التفسير النفسي للمتلازمة يمكن إرجاعه الى:

1-التحيز السلبي (Negativity Bias)

-حيث يميل الدماغ البشري إلى الانتباه للمحفزات السلبية أكثر من الإيجابية، كآلية بقاء تطورية.

– عندما ننظر إلى “المربع المفقود” (مثل نقص في العلاقات، المال، النجاح)، نهمل “المربعات الكاملة” الأخرى (الصحة، الإنجازات، العلاقات الموجودة).

2. مقارنة اجتماعية (Social Comparison):

– يُقارن الفرد نفسه بالآخرين الذين يملكون “المربع المفقود”، مما يزيد شعوره بالنقص.

– مثال: شخص ناجح مهنيًًا قد يركز على عدم وجود شريك حياة، والعكس صحيح.

3. السعي وراء الكمال (Perfectionism):

– السعي لتحقيق “الحياة المكتملة” يخلق وهمًا بأن السعادة تكمن في سد كل الفراغات.

– في الواقع، الشعور بالرضا يتطلب تقبُّل أن الحياة لا تكون كاملة أبدًا.

4. تأثير وسائل التواصل والمجتمع الاستهلاكي:

– تُعزز وسائل الإعلام فكرة أن السعادة تأتي من امتلاك كل شيء، مما يزيد الإحساس بالنقص.

أما الأعراض، فهي مزيج من القلق الهادئ والحزن الجميل، شعورٌ دائم بأن هناك شيئًا ما في غير مكانه.

إن المرء ليعجب من حال هذا الشخص المصاب بهذه المتلازمة، فصاحبها وقع في الهمّ الذي منه هرب وفاته الرضى الذي له طلب. يعيش في الدنيا عيشة المحرومين ويُحاسب في الآخرة حساب المتنعّمين!

في الختام، على المصاب بهذه الحالة أن يتصالح مع نفسه، وأن يدرك أن النقص جزءٌ من الجمال، وأن المربع المفقود قد يكون سرّ الحركة، سرّ البحث، وسرّ الإبداع. فربما لو اكتمل كل شيء، لما تحركت الأرواح نحو السماء، ولا انبعث الأجساد في السعي في هذه الحياة. ولتكن القناعة والرضى بما قسمه الله والشكر له على ما أنعم، هو المنهج القويم الذي تستقيم به الحياة عملًا بقوله تعالى: {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى